للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استخراجَا للأدلة، وتمرنًا في الاستنباط للمعاني؛ فقال أبو الفرج بن طرار: الدليل على أن المرأة يجوز أن تحكم أن الغرض من الأحكام تنفيذ القاضي لها، وسماع البينة عليها، والفصل بين الخصوم فيها، وذلك يمكن من المرأة كإمكانه من الرجل.

فاعترض عليه القاضي أبو بكر، ونقض كلامه بالإمامة العظمى، فإن الغرض منها حفظ الثغور، وتدبير الأمور، وحماية البيضة، وقبض الخراج، ورده على مستحقيه، وذاك يتأتى من المرأة كتأتيه من الرجل.

فقال له أبو الفرج بن طرار: هذا هو الأصل في الشرع، إلا أن يقوم دليل على منعه.

فقال له القاضي: لا نسلم أنه أصل الشرع. ثم قال القاضي أبو بكر: ليس كلام الشيخين في هذه المسألة بشيء، فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، وتخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير؛ لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت متجالّةً بَرْزَةً لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولم يفلح قط من تصور هذا، ولا من اعتقده» (١).

• ومن هنا يتضح أن الراجح هو رأي الجمهور القائلين باشتراط الذكورة فيمن يتولى القضاء؛ لقوة أدلتهم، وسلامتها من الاعتراض، وهذا هو ما يتفق مع أصول الشريعة وفروعها، وعليه العمل في عهد الرسالة، وعهد الصحابة، والتابعين، وهذه العصور هي الأقرب لعصر الوحي، وأصحابها بلا شك أدرى بأسرار التشريع، ومقصود الشرع.

إلا أنه إذا ابتليت الأمة فتولى القضاء في بلد من البلاد الإسلامية امرأة، جاز


(١) أحكام القرآن (٣/ ٤٨٣).

<<  <   >  >>