للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قدرهما عند الله تعالى:

أ- افتتحت الآية بـ (وقضى) والقضاء معناه الحكم الجزم البت الذي لا يقبل النسخ، وقضاء الله هنا قضاؤه الشرعي، والدليل عليه أن الواحد منا إذا أمر غيره بشيء، فإنه لا يقال إنه قضى عليه، إلا إذا أمره أمرًا جزمًا، وحكم عليه بذلك الحكم على سبيل البت والقطع (١)، فكان التعبير بـ (قضى) عند الوصاية ببر الوالدين آكد من التعبير بغيرها من الألفاظ.

ب- اختيار مقام الربوبية في الأمر بالبر والإحسان للوالدين؛ مشعر بالخلق والملك والتدبير للعبد، ولزوم السمع والطاعة للرب سبحانه.

جـ- القرن بين إخلاص العبادة لله سبحانه، وبر الوالدين يدل على شدة تأكيد وجوب برهما، ورفيع منزلتهما.

واعلم أنه تعالى أَمر الإنسان بعبادته سبحانه، ثم أتبعه بالأمر ببر الوالدين لأن السبب الحقيقي لوجود الإنسان هو تخليق الله تعالى وإيجاده، والسبب الظاهري هو الأبوان، فأمر بتعظيم السبب الحقيقي، ثم أتبعه بالأمر بتعظيم السبب الظاهري (٢).

د- {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا} إمّا مركبة من أن الشرطية وما المزيدة لتأكيدها، ولذلك دخل الفعل نون التأكيد، ومعنى {عِنْدَكَ} عندك في كنفك وكفالتك، وتقديمه على المفعول مع أن حقه التأخر عنه للتشويق إلى وروده، فإنه مدار تضاعف الرعاية والإحسان، ونبه بـ {الْكِبَرَ} لأنه وقت حاجتهما إليك، وأتى


(١) ينظر: التفسير الكبير للرازي (٢٠/ ١٤٧).
(٢) ينظر: التفسير الكبير للرازي (٢٠/ ١٤٨).

<<  <   >  >>