للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن عبد الحكم: سمعت مالكًا يقول: شاورني هارون الرشيد في ثلاثة: في أن يعلق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه، وفي أن ينقض منبر رسول الله ويجعله من ذهب وفضة وجوهر، وفي أن يقدم نافع بن أبي نعيم إمامًا في مسجد النبي ، فقلت: أما تعليق الموطأ، فإن الصحابة اختلفوا في الفروع، وتفرقوا، وكل عند نفسه مصيب، وأما نقض المنبر، فلا أرى أن يحرم الناس أثر رسول الله وأما تقدمتك نافعًا، فإنه إمام في القراءة، لا يؤمن أن تبدر منه بادرة في المحراب، فتحفظ عليه، فقال: وفقك الله يا أبا عبد الله (١).

قال البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، وقال سفيان بن عيينة: ما كان أشد انتقاده للرجال، وقال يحيى بن معين:


(١) رواه أبو نعيم في الحلية ٦/ ٣٣٢، وبنحوه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٨/ ٩٧ - ٩٨، وقال: هذا إسناد حسن، لكن لعل الراوي وَهِمَ في قوله: هارون؛ لأن نافعًا قبل خلافة هارون مات.
قلتُ: ويؤيد قول الذهبي ؛ أمران:
الأول: أن الخليفة هارون الرشيد بويع بالخلافة سنة ١٧٠ هـ ونافع بن أبي نعيم مات سنة ١٦٩ هـ.
والثاني: أن القاضي عياض ذكر في ترجمة الإمام مالك في ترتيب المدارك ١١٤ - ١١٦ أن الذي سأل مالكًا هذه الأمور؛ هو الخليفة المهدي والد هارون الرشيد، فيكون ذلك أرجح، فإن فترة خلافة المهدي كانت بين ١٥٨ - ١٦٩ هـ، وأيضا فإن الرشيد لم يأخذ الخلافة بعد أبيه مباشرة، بل سبقه أخوه الهادي الذي مكث فيها بين ١٦٩ - ١٧٠، ثم أخذها هارون الرشيد، ثم إني رأيت -بعد ذلك- السيوطي قد حسم النزاع بقوله في تاريخ الخلفاء ص ٢١٩ ط. دار الكتاب العربي: مات في أيام الهادي من الأعلام؛ نافع قارئ أهل المدينة. فترجح ما قلناه. وهذا من حيث التاريخ، وأما من الناحية الحديثية ففي إسناده المقدام بن داود بن عيسى المصري وهو ضعيف. والله أعلم.

<<  <   >  >>