للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وآله وسلم-: «تبايعنني على ألا تقتلن أولادكن؟» وكانوا في الجاهلية يقتلون الأولاد- فقالت هند: «أمّا نحن فقد ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا يوم بدر» فقال: «وعلى ألا تعصينني في معروف؟» قالت: «ما جلسنا هذا المجلس وفي عزمنا أن نعصيك» قال: «وعلى ألا تسرقن؟» قالت: «والله ما سرقت عمري شيئا، اللَّهمّ إلا أنني كنت آخذ من مال أبي سفيان شيئا في بعض الوقت» وكان أبو سفيان زوجها حاضرا، فحينئذ علم رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أنّها هند، فقال هند؟ قالت: نعم، يا رسول الله! فلم يقل شيئا لأن الإسلام جبّ [١] ما قبله. وأما معاوية- رضي الله عنه- فكان عاقلا في دنياه، لبيبا عالما حليما، ملكا قويّا، جيّد السياسة حسن التّدبير لأمور الدنيا، عاقلا حكيما فصيحا، بليغا يحلم في موضع الحلم، ويشتد في موضع الشدة، إلا أن الحلم كان أغلب عليه. وكان كريما باذلا للمال، محبّا للرئاسة مشغولا بها. كان يفضل على أشراف رعيته كثيرا. فلا يزال أشراف قريش مثل عبد الله بن العبّاس، وعبد الله ابن الزبير، وعبد الله بن جعفر الطيّار وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وأبان بن عثمان بن عفّان، وناس من آل أبي طالب- رضي الله عنهم- يفدون عليه بدمشق فيكرم مثواهم، ويحسن قراهم، ويقضي حوائجهم ولا يزالون يحدّثونه أغلظ الحديث ويجبهونه أقبح الجبه [٢] ، وهو يداعبهم تارة، ويتغافل عنهم أخرى، ولا يعيدهم إلا بالجوائز السنيّة، والصّلات الجمّة، قال يوما لقيس بن (سعد بن عبادة) [٣]- رضي الله عنه- وهو رجل من الأنصار: «يا قيس والله كنت أودّ أن تنكشف الحروب التي كانت بيني وبين عليّ- عليه السّلام- وأنت حيّ» فقال قيس: (والله إني كنت أكره أن تنكشف تلك الحروب وأنت أمير المؤمنين)


[١] جبّ ما قبله: أزاله وأجلاه.
[٢] الجبه: المواجهة بالجبهة، الاستقبال وجها لوجه.
[٣] سعد بن عبادة: سيّد قبيلة الخزرج. أسلم وشهد غزوات العقبة وأحد والخندق. أقام بالشام مهاجرا ومات بحوران. وقيس بن سعد هو ولده، وكان ذا دالّة على الأمويين بشرف نسبه الأنصاريّ الخزرجي.

<<  <   >  >>