للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أغلظهنّ [١] ، ثمّ يقول: يا غلام: ارفع فو الله ما شبعت، ولكن مللت. وروي أنه أصلح له عجل مشويّ فأكل معه دستا [٢] من الخبز السّميذ [٣] ، وأربع فراني [٤] وجديا حارا، وآخر باردا سوى الألوان ووضع بين يديه مائة رطل من الباقلى [٥] الرّطب فأتى عليه وأما شحّه على الأكل: فإنّ ابن أبي بكرة دخل عليه ومعه ابنه، فجعل ابنه يأكل أكلا مفرطا، ومعاوية يلحظه وفطن ابن أبي بكرة لحنق معاوية- رضي الله عنه- ففي الغد حضر الأب وليس معه ابنه، فقال له معاوية: ما فعل ابنك؟ قال: يا أمير المؤمنين: انحرف مزاجه. قال: قد علمت أنّ تلك الأكلة ما كانت تتركه حتى تهيضه وها هنا موضع حكاية حسنة، تدلّ على كرم ومروءة ونبل: كان بعض الوزراء مشغوفا بالأكل، ويحب كلّ من يأكل معه وكلّ من كان أكثر أكلا كان أقرب إلى قلبه فاتّفق أنه قصده بعض الأكابر من العلويّين وكل عليه [٦] وجوها من خراج وضمان وغير ذلك، وطلبه بها، فوكل عليه في نفس داره أعني دار الوزير. ففي بعض الأيّام مدّ السّماط بين يدي الوزير، فقال العلويّ للموكلين به: إنّي جائع، فهل تأذنون أن أخرج إلى السّماط وأنتم معي، فآكل وأعود إلى هذا الموضع؟ وكان العلويّ قد فطن لطبع الوزير في ذلك، فاستحيوا منه، وأذنوا له في ذلك فخرج، وجلس في أخريات السّماط وجعل يأكل بينهم فلحظه الوزير وهو مقبل على الأكل، فاستدناه ورفعه إلى صدر المجلس وقدّم له من أطائب ذلك الطعام. ولما بالغ في الأكل زادت بشاشة الوزير وطلاقته. فلمّا رفع الطعام استدعى الوزير كانونا فيه نار، وأحضر الحساب الّذي رفع على الرجل به، وقال: أيّها السيّد: قد أراحك الله من هذا المال، وأنت في


[١] أغلظ الأكلات: أدسمها وأثقلها على المعدة.
[٢] دستا: مجموعة، والكلمة فارسية آلت إلى دستة في الاستعمال الدارج.
[٣] السّميذ: الدقيق الأبيض.
[٤] الفرانيّ: أقراص الخبز السّميك المستدير.
[٥] الباقلّى: القول.
[٦] وكل عليه: فرض عليه.

<<  <   >  >>