للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حلّ منه وو الله وحقّ جدّك- صلوات الله عليه- ليس عندي بهذا الحساب ولا في الديوان به غير هذه النّسخة. ثم ألقاها في الكانون فاحترقت وأفرج عنه وأذن له في الرّواح إلى منزله.

وكانت وفاة معاوية رضي الله عنه في سنة ستّين من الهجرة. ولما أدركته الوفاة أوصى إلى ابنه يزيد وصيّة تدلّ على عقله ولبّه، وخبرته بالأمور ومعرفته بالرّجال فلم يعمل يزيد بشيء منها وقد أثبتها ها هنا لحسنها وسدادها.

قالوا: لمّا مرض معاوية- رضي الله عنه- مرضه الّذي مات فيه، دعا ابنه يزيد فقال له: «يا بنيّ! إنّي كفيتك الشدّ والترحال، ووطّأت لك الأمور، وذلّلت لك الأعداء، وأخضعت لك رقاب العرب، وجمعت لك ما لم يجمعه أحد.

فانظر أهل الحجاز فإنّهم أصلك، فأكرم من قدم عليك منهم وتعهّد من غاب، وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل كلّ يوم عاملا فافعل، فإنّ عزل عامل أيسر من أن يشهر مائة ألف سيف. وانظر أهل الشام، وليكونوا بطانتك، فإن رابك من عدوّك شيء فانتصر بهم، فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم، فإنّهم إن أقاموا بها تغيّرت أخلاقهم وإنّي لست أخاف عليك أن ينازعك في هذا الأمر إلا أربعة من قريش: الحسين بن عليّ وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهم- فأما ابن عمر: فرجل قد وقذته [١] العبادة، وإذا لم يبق أحد غيره بايعك. وأمّا الحسين بن عليّ: فهو رجل خفيف، ولن يتركه أهل العراق حتى يخرجوه. فإن خرج وظفرت به فاصفح عنه فإن له رحما ماسّة، وحقّا عظيما، وقرابة من محمّد صلوات الله عليه وسلامه. وأمّا ابن أبي بكر، فإن رأى أصحابه صنعوا شيئا صنع مثله. ليست له همّة إلا في النّساء واللهو. وأما الّذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب، فإن أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزّبير. فإن هو وثب عليك فظفرت به فقطّعه إربا إربا واحقن دماء [٢] قومك ما استطعت.


[١] وقذته العبادة: أضنت جسده. غلبته وتركته عليلا.
[٢] حقن الدماء: وفّرها ولم يرقها.

<<  <   >  >>