للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأهل العراق. وكان عظيم الشّحّ، فلذلك لم يتمّ أمره. فأرسل الحجّاج إليه فحاصره بمكّة ورمى الكعبة بالمنجنيق، وحاربه وخذله أهله وأصحابه، فدخل على أمّه وقال لها: «يا أمّت، قد خذلني النّاس حتى ولدي وأهلي، ولم يبق معي غير نفر يسير ومن ليس عنده أكثر من صبر ساعة. والقوم يعطونني ما أردت من الدّنيا فما رأيك؟» فقالت له: «أنت أعلم بنفسك. إن كنت تعلم أنّك على حقّ فامض لشأنك ولا تمكّن من رقبتك غلمان بني أميّة، وإن كنت إنّما أردت الدّنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن معك، وكم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن» فقال:

يا أمّت «إنّي أخاف إن قتلوني أن يمثّلوا بي» قالت: «يا بنيّ، إنّ الشاة لا يضرّها سلخها بعد ذبحها» وما زالت تحرّضه بهذا وأشباهه حتى خرج، فصمّم على المناجزة فقتل. وأرسل الحجّاج بالبشارة إلى عبد الملك، وكان ذلك سنة ثلاث وسبعين.

وأمّا أخوه مصعب بن الزّبير أمير العراق: فكان شجاعا جميلا، جليل القدر ممدوحا. تزوّج سكينة بنت الحسين- عليه السّلام- وعائشة بنت طلحة، وجمعهما في داره. وكانتا من أعظم النّساء قدرا ومالا وجمالا، فقال عبد الملك يوما لجلسائه، من أشجع النّاس؟ قالوا: أنت. قال: لا لكنّ أشجع الناس من جمع في داره بين عائشة بنت طلحة، وسكينة بنت الحسين. يعني مصعبا. ثم تجهّز عبد الملك لقتال مصعب وودّع زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية، فلمّا ودّعها بكت فبكى جواريها لبكائها، فقال عبد الملك: قاتل للَّه كثير عزّة [١] ، كأنّه شاهد هذا حين قال:

إذا ما أراد الغزو لم يثن همّه ... حصان عليها نظم درّ يزينها


[١] كثيّر عزّة: هو كثيّر بن عبد الرحمن الخزاعيّ. بدأ حياته راعيا في وادي القرى بجوار المدينة المنوّرة وتشيّع في أوّل أمره لآل عليّ بن أبي طالب ثم مال إلى الأمويّين ومدحهم ولا سيّما عبد العزيز بن مروان. وعبد الملك بن مروان. جاء كثير من شعره في الغزل بعزّة.
توفي عام/ ١٠٥/ هـ.

<<  <   >  >>