للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نهته فلمّا لم تر النّهي نافعا ... بكت فبكى ممّا شجاها قطينها [١]

(الطويل) ثم سار إلى حرب مصعب، فالتقيا بأرض دجيل، فاقتتلوا قتالا شديدا وقتل مصعب وذلك في سنة إحدى وسبعين.

وكان عبد الملك أديبا ذكيّا فاضلا، قال الشعبيّ [٢] ، ما ذاكرت أحدا إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك بن مروان، فإنّي ما ذاكرته حديثا إلا زادني فيه ولا شعرا إلا زادني فيه.

وقيل لعبد الملك: لقد أسرع إليك الشّيب، قال: «شيّبني صعود المنابر والخوف من اللّحن» (وكان اللحن عندهم في غاية القبح) ومن آرائه ما أشار به وهو صبيّ على مسلم بن عقبة المريّ، حين أرسله يزيد بن معاوية لقتال أهل المدينة فوصلها وبنو أميّة محاصرون بها ثم أخرجوا، فلما لقيهم مسلم بن عقبة استشار بعبد الملك بن مروان وكان حدثا، فقال له: الرأي أن تسير بمن معك، فإذا انتهيت إلى أدنى نخلها نزلت، فاستظلّ الناس في ظلّه وأكلوا من صفوه. فإذا أصبحت مضيت وتركت المدينة على اليسار، ثمّ درت بها حتّى تأتيهم من قبل الحرّة مشرّقا، ثم تستقبل القوم. فإذا استقبلتهم وقد طلعت الشّمس عليهم، طلعت بين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم، بل يصيب أهل المدينة أذاها ويرون من ائتلاف بيضكم وأسنّة رماحكم وسيوفكم ودروعكم ما لا ترونه أنتم ما داموا مغرّبين. ثم قاتلهم واستعن باللَّه. وقال عبد الملك يوما لجلسائه: ما تقولون في قول القائل:

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فوا حربا ممّن يهيم بها بعدي

(طويل)


[١] انظر الخبر في ترجمة كثيّر في مقدمة ديوانه بشرح قدري مايو، طبعة دار الجيل ببيروت ص/ ١٣/.
[٢] الشّعبيّ: عامر بن شراحيل محدّث وحافظ من التابعين، قرّبه عبد الملك بن مروان وكان رسوله إلى ملك الروم. توفي عام/ ١٠٣/ هـ.

<<  <   >  >>