ووهب له عشرين ألف دينار وحادثة في خلع هارون أخيه والمبايعة لجعفر ابنه، فقال له يحيى: «يا أمير المؤمنين، إن فعلت حملت الناس على نكث الأيمان [١] ونقض العهود، وتجرّأ الناس على مثل ذلك ولو تركت أخاك هارون على ولاية العهد، ثمّ بايعت لجعفر بعده، كان ذلك أوكد في بيعته، فترك الهادي الأمر مدة ثم غلب عليه حبّ الولد، فأحضر يحيى مرّة ثانية وفاوضه في ذلك، فقال له يحيى:
يا أمير المؤمنين، لو حدث بك حادث الموت، وقد خلعت أخاك وبايعت لابنك جعفر وهو صغير دون البلوغ- أفترى كانت خلافته تصحّ، وكان مشايخ بني هاشم يرضون ذلك ويسلّمون الخلافة إليه؟ قال: لا، قال يحيى: فدع هذا الأمر حتى يأتيه عفوا، ولو لم يكن المهديّ بايع لهارون لوجب أن تبايع أنت له لئلا تخرج الخلافة من بني أبيك، فصوّب الهادي رأيه، وكان الرشيد بعد ذلك يرى هذه من أعظم أيادي يحيى بن خالد عنده.
ومن مكارمه: قيل: إنّ الرشيد لمّا نكب البرامكة واستأصل شأفتهم، حرّم على الشعراء أن يرثوهم، وأمر بالمؤاخذة على ذلك، فاجتاز بعض الحرّاس ببعض الخربات فرأى إنسانا واقفا، وفي يده رقعة فيها شعر يتضمّن رثاء البرامكة، وهو ينشد ويبكي فأخذه الحرس فأتي به إلى الرّشيد وقصّ عليه الصّورة، فاستحضره الرشيد وسأله عن ذلك فاعترف به، فقال له الرشيد، أما سمعت تحريمي لرثائهم؟
لأفعلنّ بك ولأصنعنّ فقال: يا أمير المؤمنين، إن أذنت لي في حكاية حالي حكيتها، ثمّ بعد ذلك أنت ورأيك قال: قل، قال: إنّي كنت من أصغر كتّاب يحيى بن خالد وأرقّهم حالا، فقال لي يوما: أريد أن تضيفني في دارك يوما، فقلت: يا مولانا أنا دون ذلك، وداري لا تصلح لهذا، قال: لا بدّ من ذلك، قلت: فإن كان لا بدّ فأمهلني مدة حتّى أصلح شأني ومنزلي، ثمّ بعد ذلك أنت ورأيك، قال: كم أمهلك؟
قلت: سنة، قال: كثير قلت فشهورا، قال: نعم فمضيت وشرعت في إصلاح المنزل وتهيئة أسباب الدعوة فلما تهيأت الأسباب أعلمت الوزير بذلك، فقال: نحن