غدا عندك، فمضيت وتهيّأت في الطعام والشراب وما يحتاج إليه فحضر الوزير في غد ومعه ابناه جعفر والفضل وعدّة يسيرة من خواصّ أتباعه، فنزل عن دابّته ونزل ولداه جعفر والفضل، وقال: يا فلان أنا جائع فعجّل لي بشيء، فقال لي الفضل ابنه: الوزير يحبّ الفراريج المشويّة فعجّل منها ما حضر، فدخلت وأحضرت منها شيئا فأكل الوزير ومن معه، ثم قام يتمشّى في الدار وقال: يا فلان فرّجنا في دارك، فقلت يا مولانا هذه هي داري ليس لي غيرها، قال: بل لك غيرها قلت والله ما أملك سواها، فقال: هاتوا بنّاء، فلما حضر قال له: افتح في هذا الحائط بابا، فمضى ليفتح، فقلت: يا مولانا، كيف يجوز أن يفتح باب إلى بيوت الجيران، والله أوصى بحفظ الجار؟ قال: لا بأس في ذلك، ثمّ فتح الباب، فقام الوزير وأبناؤه فدخلوا فيه وأنا معهم، فخرجوا منه إلى بستان حسن كثير الأشجار، والماء يتدفّق فيه، وبه من المقاصير والمساكن ما يروق كلّ ناظر، وفيه من الآلات والفرش والخدم والجواري كلّ جميل بديع، فقال: هذا المنزل وجميع ما فيه لك، فقبّلت يده ودعوت له وتحقّقت القصّة، فإذا هو من يوم حادثني في معنى الدعوة قد أرسل واشترى الأملاك المجاورة لي وعمرها دارا حسنة، ونقل إليها من كلّ شيء وأنا لا أعلم، وكنت أرى العمارة فأحسبها لبعض الجيران، فقال لابنه جعفر: يا بنيّ، هذا منزل وعيال، فالمادّة من أين تكون له؟ قال جعفر: قد أعطيته الضّيعة الفلانيّة بما فيها وسأكتب له بذلك كتابا، فالتفت إلى ابنه الفضل، وقال له:
يا بني، فمن الآن إلى أن يدخل دخل هذه الضيعة ما الّذي ينفق؟ فقال الفضل: عليّ عشرة آلاف دينار أحملها إليه، فقال: فعجّلا له ما قلتما، فكتب لي جعفر بالضّيعة وحمل الفضل إليّ المال فأثريت وارتفعت حالي، وكسبت بعد ذلك معه مالا طائلا، أنا أتقلب فيه إلى اليوم فو الله يا أمير المؤمنين ما أجد فرصة أتمكّن فيها الثناء عليهم والدّعاء لهم إلا انتهزتها مكافأة لهم على إحسانهم ولن أقدر على مكافأتهم! فان كنت قاتلي على ذلك فافعل ما بدا لك. فرقّ الرشيد لذلك وأطلقه، وأذن لجميع الناس في رثائهم.