قميص مصبوغ، فلبسه وجلس يباسط جعفر بن يحيى ويمازحه، وقال: اسقونا من شرابكم فسقوه رطلا، وقال: ارفقوا بنا فليس لنا عادة بهذا ثمّ باسطهم ومازحهم، وما زال حتّى انبسط جعفر بن يحيى وزال انقباضه وحياؤه، ففرح جعفر بذلك فرحا شديدا، وقال له: ما حاجتك؟ قال: جئت- أصلحك الله- في ثلاث حوائج، أريد أن تخاطب الخليفة فيها: أوّلها: أنّ عليّ دينا مبلغه ألف درهم أريد قضاءه وثانيها؟: أريد ولاية لابني يشرف بها قدره، وثالثها: أن تزوّج ولدي بابنة الخليفة فإنّها بنت عمه، وهو كفء لها، فقال له جعفر بن يحيى- قد قضى الله هذه الحوائج الثلاث، أما المال، ففي هذه الساعة يحمل إلى منزلك، وأما الولاية، فقد ولّيت ابنك مصر، وأمّا الزّواج، فقد زوجته فلانة ابنة مولانا أمير المؤمنين على صداق مبلغه كذا وكذا، فانصرف في أمان الله، فراح عبد الملك إلى منزله فرأى المال قد سبقه، ولمّا كان من الغد حضر جعفر عند الرشيد وعرّفه ما جرى وأنه قد ولى ابنه مصر وزوّجه ابنته فعجب الرشيد من ذلك وأمضى العقد والولاية، فما خرج جعفر من دار الرّشيد حتى كتب له التقليد بمصر وأحضر القضاة والشهود وعقد العقد.
وقيل: إنّ جعفر بن يحيى كان بينه وبين صاحب مصر عداوة ووحشة، وكان كلّ منهما مجانبا للآخر، فزوّر بعض الناس كتابا عن لسان جعفر بن يحيى إلى صاحب مصر، مضمونه: أنّ حامل هذا الكتاب من أخصّ أصحابنا، وقد آثر التفرّج في الديار المصريّة، فأريد أن تحسن الالتفات إليه، وبالغ في الوصيّة، ثم أخذ الكتاب ومضى إلى مصر وعرضه على صاحبها، فلما وقف عليه تعجّب منه وفرح به، إلا أنه حصل عنده ارتياب وشكّ في هذا الكتاب، فأكرم الرّجل وأنزله في دار حسنة، وأقام له ما يحتاج إليه، وأخذ الكتاب منه وأرسله إلى وكيله ببغداد وقال له: قد وصل شخص من أصحاب الوزير بهذا الكتاب، وقد ارتبت به، فأريد أن تتفحّص لي عن حقيقة الحال في ذلك، وهل هذا خطّ الوزير أم لا؟ وأرسل كتاب الوزير صحبة مكتوبة إلى وكيله فجاء الوكيل إلى وكيل الوزير وحدّثه بالقصّة وأراه الكتاب، فأخذه وكيل الوزير ودخل إلى الوزير وعرّفه الحال، فلما