للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأى إنكار الناس ببغداد لما فعله، من نقل الخلافة إلى بني علي، وأنهم نسبوا ذلك إلى الفضل بن سهل، ورأى الفتنة قائمة- دسّ جماعة على الفضل بن سهل فقتلوه في الحمام، ثم أخذهم وقدّمهم ليضرب أعناقهم، فقالوا له: أنت أمرتنا بذلك ثمّ تقتلنا! فقال لهم: أنا أقتلكم بإقراركم، وأما ما ادّعيتموه عليّ من أنّي أمرتكم بذلك فدعوى ليس لها بيّنة. ثم ضرب أعناقهم وحمل رءوسهم إلى الحسن بن سهل، وكتب يعزّيه ويوليه مكانه وانضمّ إلى ذلك أمور أخرى سنذكرها عند ذكر وزارة الفضل. ثمّ دسّ إلى عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- سمّا في عنب- وكان يحبّ العنب- فأكل منه واستكثر فمات من ساعته، ثم كتب إلى بني العبّاس ببغداد يقول لهم: إنّ الّذي أنكرتموه من أمر عليّ بن موسى قد زال، وإنّ الرجل مات، فأجابوه أغلظ جواب، وكان الفضل بن سهل قد استولى على المأمون، ومتّ أمتانا [١] كثيرة بقيامه في أمره، واجتهاده في أخذ الخلافة له، فكان قد قطع الأخبار عنه ومتى علم أنّ أحدا قد دخل عليه أو أعلمه بخبر سعى في مكروهة، فامتنع الناس من كلام المأمون فانطوت الأخبار عنه، فلما ثارت الفتنة ببغداد وخلع المأمون، وبويع إبراهيم بن المهديّ وأنكر العباسيّون على المأمون فعله كتم الفضل بن سهل عن المأمون مدّة، فدخل عليه عليّ بن موسى الرّضا- عليهما السّلام- وقال له:

يا أمير المؤمنين: إنّ الناس ببغداد قد أنكروا عليك مبايعتي بولاية العهد، وتغيير لباس السّواد، وقد خلعوك، وبايعوا عمّك إبراهيم بن المهديّ، وأحضر إليه جماعة من القوّاد ليخبروه بذلك، فلما سألهم المأمون أمسكوا وقالوا: نخاف من الفضل، فإن كنت تؤمننا من شرّه أخبرناك، فأمّنهم وكتب لهم خطّه، فأخبروه بصورة الحال وعرّفوه خيانة الفضل وتعمية الأمور عليه، وستره الأخبار عنه، وقالوا له: الرأي أن تسير بنفسك إلى بغداد وتستدرك أمرك، وإلا خرجت الخلافة من يدك، فكان بعد هذا بقليل قتل الفضل، وموت الرّضا على ما تقدّم شرحه.


[١] متّ أمتانا: قطع برأيه وتصرّف.

<<  <   >  >>