للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمّ جدّ المأمون في المسير إلى بغداد، فوصلها وقد هرب إبراهيم بن المهديّ والفضل بن الربيع، فلمّا دخل البلد تلقّاه العبّاسيون وكلّموه في ترك لباس الخضرة والعود إلى السّواد واجتمعت به زينب بنت سليمان بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس- وكانت في طبقة المنصور، وكان بنو العبّاس يعظّمونها، وإليها ينسب الزينبيّون- فقالت له: يا أمير المؤمنين: ما الّذي دعاك إلى نقل الخلافة من بيتك إلى بيت عليّ قال: يا عمّة: إني رأيت عليّا حين ولي الخلافة أحسن إلى بني العبّاس، فولّى عبد الله البصرة، وعبيد الله اليمن، وقثم سمرقند [١] ، وما رأيت أحدا من أهل بيتي حين افضى الأمر إليهم، كافئوه على فعله في ولده، فأحببت أن أكافئه على إحسانه فقالت له: يا أمير المؤمنين: إنّك على برّ بني عليّ والأمر فيك، أقدر منك على برّهم والأمر فيهم، ثمّ سألته تغيير لباس الخضرة فأجابها إلى ذلك، وأمر الناس بتغييره والعود إلى لباس السّواد، ثمّ إنّ المأمون عفا عن عمّه إبراهيم بن المهدي، ولم يؤاخذه، وأحسن إليه وصار من ندمائه، وكذلك فعل مع الفضل بن الرّبيع، وكان حليما، كان يقول: لو عرف الناس حبّي للعفو لتقرّبوا إليّ بالذّنوب.

في أيامه خرج محمّد بن جعفر الصادق عليهما السّلام بمكّة، وبويع بالخلافة وسمّوه أمير المؤمنين، وكان بعض أهله قد حسّن له ذلك حين رأى كثرة الاختلاف ببغداد، وما بها من الفتن، وخروج الخوارج، وكان محمّد بن جعفر شيخا من شيوخ آل أبي طالب يقرأ عليه العلم، وكان روى عن أبيه عليه السّلام علما جمّا، فمكث بمكّة مدّة، وكان الغالب على أمره ابنه وبعض بني عمه فلم تحمد سيرتهما، وأرسل المأمون إليهم عسكرا فكانت الغلبة له، وظفر به المأمون وعفا عنه.

وفي أيّامه خرج أبو السّرايا وقويت شوكته، ودعا إلى بعض أهل البيت، فقاتله الحسن بن سهل فكانت الغلبة للجيش المأمونيّ وقتل أبو السّرايا، ثمّ صفا الملك بعد ذلك للمأمون وسكنت الفتّن، وقام المأمون بأعباء الخلافة وتدبير المملكة


[١] قثم: هو ابن العبّاس بن عبد المطّلب ولّاه علي بن أبي طالب على المدينة واستمر فيها إلى أن قتل عليّ فخرج إلى سمرقند واستشهد بها عام/ ٥٧/ هـ.

<<  <   >  >>