للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها السّياسة: وهي رأس مال الملك، وعليها التّعويل في حقن الدماء، وحفظ الأموال، ومنع الشّرور، وقمع الدعّار [١] والمفسدين، والمنع من التظالم المؤدّي إلى الفتنة والاضطراب.

ومنها الوفاء بالعهد: قال تعالى سلطانه: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا ١٧: ٣٤ [٢] . وهو الأصل في تسكين القلوب، وطمأنينة النفوس، ووثوق الرعيّة بالملك إذا طلب الأمان منه خائف، أو أراد المعاهدة منه معاهد.

ومنها الاطّلاع على غوامض أحوال المملكة ودقائق أمور الرعيّة، ومجازاة المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته. كان أردشير [٣] الملك يقول لمن شاء من أشراف رعيّته وأوضاعهم: كان البارحة من حالك كيت وكيت حتّى صار يقال إنّ أردشير يأتيه ملك من السّماء يخبره بالأمور. وما ذاك إلا لتيقظه وتصفّحه.

فهذه عشر خصال من خصال الخير، من كنّ فيه استحقّ الرئاسة الكبرى.

ولو نظر أصحاب الآراء والمذاهب حقّ النظر، وتركوا الهوى، لكانت هذه الشرائط هي المعتبرة في استحقاق الإمامة، وما عداها فغير طائل. وقال بزرجمهر [٤] . ينبغي أن يكون الملك كالأرض في كتمان سرّه وصبره، وكالنار على أهل الفساد وكالماء في لينه لمن لاينه، وينبغي أن يكون أسمع من فرس، وأبصر من عقاب، وأهدى من قطاة، وأشدّ حذرا من غراب، وأعظم إقداما من الأسد، وأقوى وأسرع وثوبا من الفهد وينبغي للملك ألا يستبدّ برأيه وأن يشاور في الملمّات خواصّ الناس وعقلاءهم ومن يتفرّس فيه الذكاء والعقل وجودة الرّأي، وصحّة التمييز ومعرفة الأمور. ولا ينبغي أن تمنعه عزّة الملك من إيناس المستشار به وبسطه، واستمالة قلبه حتى يمحضه النّصيحة فإن أحدا لا ينصح بالقسر ولا يعطي نصيحته إلا بالرّغبة، وما أحسن قول الشاعر في هذا المعنى:


[١] الدّعّار: جمع داعر، وهو الفاسق المجاهر.
[٢] سورة الإسراء، الآية/ ٣٤/..
[٣] أردشير: مؤسس المملكة الساسانية من الفرس. ولعلّ الكلمة تعني مطلق الملك بالفارسية.
[٤] بزرجمهر: وزير وحكيم فارسي، سبقت ترجمته.

<<  <   >  >>