للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهان وأقصى ثم يستنصحونني ... ومن ذا الّذي يعطي نصيحته قسرا؟!

(طويل) قال الله تعالى: وَشاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ ٣: ١٥٩ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه دائما.

لمّا كانت وقعة بدر [١] خرج- صلّى الله عليه وسلّم- من المدينة في جماعة من المسلمين، فلما وصلوا بدرا نزلوا على غير ماء، فقام إليه رجل [٢] من أصحابه وقال: يا رسول الله: نزولك ها هنا شيء أمرك الله به أو هو من عند نفسك قال: بل هو من عند نفسي، قال يا رسول الله: إن الصّواب أن ترحل وتنزل على الماء فيكون الماء عندنا، فلا نخاف العطش، وإذا جاء المشركون لا يجدون ماء، فيكون ذلك معينا لنا عليهم، قال رسول الله، صدقت، ثم أمر بالرحيل، ونزل على الماء، واختلف المتكلّمون في كون الله تعالى أمر رسوله بالاستشارة، مع أنه أيّده ووفّقه، وفي ذلك أربعة وجوه: أحدها: أنّه- عليه السلام- أمر بمشاورة الصحابة استمالة لقلوبهم وتطييبا لنفوسهم. والثاني: أنه أمر بمشاورتهم في الحرب ليستقرّ له الرأي الصحيح فيعمل عليه. والثالث: أنه أمر بمشاورتهم لما فيها من النفع والمصلحة. والرابع: أنه إنما أمر بمشاورتهم ليقتدي به الناس، وهذا عندي أحسن الوجوه وأصلحها. قالوا: الخطأ مع المشورة، أصلح من الصواب مع الانفراد والاستبداد، وقال صاحب كليلة ودمنة [٣] :

لا بدّ لملك من مستشار مأمور يفضي إليه بسرّه، ويعاونه على رأيه، فإن المستشير- وإن كان أفضل من المستشار وأكمل عقلا وأصحّ رأيا- قد يزداد برأي المشير رأيا، كما تزداد النار بالدّهن ضوءا ونورا، قال الشاعر:


[١] انظر خبر موقعة بدر في سيرة ابن هشام أو مختصر السيرة بإعداد محمد عفيف الزعبي ص/ ١٢٢/.
[٢] هو الحباب بن المنذر. انظر مختصر السيرة ص/ ١٢٢/.
[٣] لعلّه قصد بزرجمهر الوزير الحكيم الفارسيّ، أو عبد الله بن المقفع المترجم لكليلة ودمنة عن الفارسيّة.

<<  <   >  >>