للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا أعوز الرأي المشورة فاستشر ... برأي نصيح أو مشورة حازم [١]

(طويل) واعلم أنّ للملك أمورا تخصّه يتميز بها عن السوقة، فمنها: أنه إذا أحبّ شيئا أحبه الناس، وإذا أبغض شيئا أبغضه الناس، وإذا لهج بشيء لهج به الناس إمّا طبعا أو تطبّعا، ليتقربوا بذلك إلى قلبه، ولذلك قيل: الناس على دين ملوكهم فانظر كيف كان زيّ الناس في زمن الخلفاء، فلما ملكت هذه الدولة- أسبغ الله إحسانها وأعلى شأنها- غيّر الناس زيّهم في جميع الأشياء، ودخلوا في زيّ ملوكهم بالنطق واللباس، والآلات والرّسوم والآداب، من غير أن يكلّفوهم ذلك أو يأمروهم به أو ينهوهم عنه، ولكنهم علموا أن زيّهم الأوّل مستهجن في نظرهم، مناف لاختيارهم فتقرّبوا إليهم بزيّهم وما زال الملوك في كلّ زمان يختارون زيّا وفنّا، فيميل الناس إليه ويلهجون به، وهذا من خواصّ الدولة وأسرار الملك.

ومن خواصّ الملك: أن صحبته تورث التيه والكبر، وتقوّي القلب وتكبّر النفس وليس صحبة غير الملك تفعل ذلك، ومن خواصّه: أنه إذا أعرض عن إنسان وجد ذلك الإنسان في نفسه ضعفا، وإن لم ينله بمكروه، وإذا أقبل على إنسان وجد ذلك الإنسان في نفسه قوّة، وإن لم يصبه منه خير، بل مجرّد الإعراض، والإقبال يفعل ذلك، وليس أحد من الناس بهذه المنزلة غير السّلطان.

وأما الخصال التي يستحبّ أن تكون معدومة فيه: فقد ذكرها ابن المقفع في كلام له قال: ليس للملك أن يغضب، لأنّ القدرة من وراء حاجته، وليس له أن يكذب لأنه لا يقدر أحد على إلزامه بغير ما يريد، وليس له أن يبخل، لأنه أقل الناس عذرا في خوف الفقر، وليس له أن يكون حقودا، لأن قدره قد عظم عن المجازاة لأحد على إساءة صدرت منه، وليس له أن يحلف إذا حدّث، لأن الّذي يحمل الإنسان على اليمين في حديثه خلال: إمّا مهانة يجدها في نفسه واحتياج إلى


[١] البيت للشاعر العباسي بشّار بن برد. والشائع في روايته:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم
وهو من قصيدة طويلة كانت في مدح إبراهيم بن عبد الله بن الحسن العلويّ، فلمّا قتل، جعلها بشّار في أبي جعفر المنصور، الخليفة العبّاسي الثاني.

<<  <   >  >>