للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما خلافة بني أميّة: فكانت قد عظمت وتفخّم أمرها، وعرضت مملكتها [١] ولكنّ طاعتهم لم تكن كطاعة هؤلاء، وكان بنو أميّة في الشام، وكان بنو هاشم بالمدينة لا يلتفتون إليهم، وإذا دخل الرجل الهاشميّ على الخليفة من بني أمية أسمعه غليظ الكلام وقال له كلّ قول صعب.

وأما الدّولة العباسية: فلم تبلغ طاعة الناس لها ما بلغت هذه الدولة [٢] ، مع أن مدّتها طالت حتّى تجاوزت خمسمائة سنة، ومملكتها عرضت حتّى إنّ بعضهم جبى معظم الدنيا. وستقع الإشارة إلى ذلك عند الكلام على دولة بني العبّاس.

وحاصل الدنيا في أيّام الرشيد، في حسبة جامعة تشتمل عليها كتب التواريخ- يدل على ذلك. فأما أوائلهم: فجبوا شطرا صالحا من الدنيا. وقويت شوكتهم.

كالمنصور والمهديّ والرشيد والمأمون والمعتصم والمعتضد والمتوكل. ومع ذلك لم تكن دولتهم تخلو من ضعف ووهن من عدة جهات: منها امتناع الروم عليهم، وقيام الحرب بينهم وبين ملوكها النّصارى في كلّ سنة على ساق. ومع ذلك كانت جبايتها تستصعب عليهم وملوكها لا يزالون على الامتناع منهم، وقد كان من أمر المعتصم وعمّورية ما بلغك ولعلّ طرفا منه يبلغك في هذا الكتاب: عند الكلام في الدّولة العباسية.

ومن أسباب الوهن الواقع في دولتهم خروج الخوارج في كلّ وقت. فأمّا المنصور: فلم يشرب ريقا حلوا من ذلك، وخرج عليه النّفس الزكية محمّد بن عبد الله بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- بالحجاز فجرت بينه وبينه حروب أفضت إلى إرسال عيسى بن موسى بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس إلى الحجاز لمحاربة النّفس الزكيّة، فقتله بموضع قريب من المدينة يقال له أحجار الزّيت. وذلك في سنة كذا [٣] ، ولذلك سمّي النفس الزكيّة قتيل أحجار الزّيت


[١] عرضت المملكة: اتّسعت عرضا.
[٢] هذه الدولة: عنى بها الدولة المغوليّة بعد فتح هولاكو لبغداد ٦٥٦ هـ.
[٣] سنة/ ١٤٥/ هـ.

<<  <   >  >>