شاب قمي قد جرى من تنبهه كيت وكيت، ومثل هذا يجب أن يصطنع ويحسن إليه ويستخدم، فكتب الخليفة يأمره بألا يمكنه من التوجّه معهم، فعمل له حجة وقطع عنهم، فتوجهوا وأقام القمي ببغداد، فعين عليه في كتابة الإنشاء، فمكث على ذلك مدة، ثم تولى الوزارة وتمكن في الدولة تمكنا لم يتمكن مثله أحد من أمثاله، وكان أوحد زمانه في كل شيء حسن، كثير البر والخير والصدقات.
حدث عنه مملوكه بدر الدين أياز قال: طلب ليلة من الليالي حلاوة النبات فعمل في الحال منها صحون كثيرة، وأحضرت بين يديه في ذلك الليل فقال لي:
يا أياز تقدر تدّخر هذه الحلاوة لي موفّرة إلى يوم القيامة؟ فقلت: يا مولانا وكيف يكون ذلك؟ وهل يمكن هذا؟ قال: نعم، تمضي في هذه الساعة إلى مشهد موسى والجواد- عليهما السلام- وتضع هذه الأصحن قدام أيتام العلويين، فإنّها تدّخر لي موفّرة إلى يوم القيامة، قال أياز: فقلت: السمع والطاعة، ومضيت- وكان نصف الليل- إلى المشهد وفتحت الأبواب وأنبهت الصبيان الأيتام ووضعت الأصحن بين يديهم ورجعت.
وما زال القميّ على سداد من أمره، تولى الوزارة للناصر، ثم للظاهر ثم للمستنصر حتى قبض عليه المستنصر وحبسه في باطن دار الخلافة مدة فمرض وأخرج مريضا فمات- رحمه الله- في سنة تسع وعشرين وستمائة.