للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان الوزير عليّ بن محمد بن الفرات وزير المقتدر يبغض السّعاة. فكان إذا رفع أحد إليه قصة فيها سعاية بأحد، يخرج حاجبه إلى الباب، والناس على طبقاتهم وقوف فيقول: أين صاحب هذه السعاية؟ قد قال لك الوزير: كذا وكذا فيفتضح ذلك الرجل في ذلك الجمع، فترك الناس السعايات في أيامه. قال عبد الرحمن بن عوف [١]- رضي الله عنه-: «من عرف فاحشة فأفشاها كان هو الّذي أتاها» كتب قباذ [٢] الملك لابنه كسرى عهدا، فمن جملته «يا بنيّ: لا تدخل في مشورتك بخيلا فإنه يقصّر بك عن غاية الفضل، ولا جبانا فإنّه يضيّق عليك الأمور عند انتهاز الفرصة. يا بني: ليكن أبغض رعيّتك إليك أكثرهم تكشيفا لمعايب الناس، فإن في الناس عيوبا أنت أحقّ من سترها وكره ما تكشف من غائبها فإنّما إليك الحكم على ما ظهر، والله يحكم فيم غاب. فاذكره للرعيّة ما تكره لنفسك واستر العورة يستر الله عليك ما تحبّ ستره. ولا تعجل إلى صديق ساع، فإنّ الساعي غاشّ وإن قال قول النّصيح. وأعط الناس من عفوك مثل ما تحبّ أن يعطيك من فوقك» .

ومن مليح ما قيل في ذلك قول مهيار [٣] يخاطب بعض الوزراء:

يا سيف نصري والمهند تابعي ... وربيع دهري والزّمان مصاف [٤]


[١] عبد الرحمن بن عوف: صحابيّ سابق إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشّرين بالجنّة. شهد المعارك وجرح يوم أحد. كان جوادا سخيّا. توفي في المدينة المنورة/ ٣٢/ هـ.
[٢] قباذ: والد كسرى أنوشروان الملك الساسانيّ المشهور. وقد سبقت ترجمة كسرى.
[٣] مهيار: هو مهيار الدّيلميّ تلميذ للشريف الرضيّ. اعتدّ بأصله الفارسيّ في شعره. وله ديوان. توفي/ ٤٢٨/ هـ.
[٤] مصاف: محترّ بحر الصيف.

<<  <   >  >>