للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعصى على طغرلبك. فلما ظفر به طغرلبك [١] لم يقتله، واستبقاه في خدمته احتياجا إلى كفايته.

ومن الأشعار المقولة في ذلك قول القائل:

إذا كنت في حاجة مرسلا ... فأرسل حكيما ولا توصه

(متقارب) وأجود من هذا المعنى وأكمل قول الآخر:

إذا أرسلت في أمر رسولا ... فأفهمه وأرسله أديبا

فإن ضيّعت ذاك فلا تلمه ... على أن لم يكن علم الغيوبا

(وافر) ومما يزين الملك، اصطناع العوارف إلى أشراف رعيّته، فبذلك تميل أعناقهم إليه ويدخلون بذلك في زمرة خدمه وحاشيته. وما زال أفاضل الملوك يلحظون هذا المعنى فيفضلون دائما على أشراف رعيتهم أنواع الإفضال ليسترقّوهم بذلك. كان معاوية- رضي الله عنه- أشدّ الملوك لهجا بهذا المعنى. كان يعطي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن العباس- رضي الله عنهما- في كلّ سنة جملا طائلة من المال. وكفاك من ذلك، أن عقيل بن أبي طالب- رضي الله عنه- فارق أخاه عليّ بن أبي طالب- عليه السلام- وقصد معاوية مستميحا وما ذاك لشحّ عند أمير المؤمنين- عليه السلام- فإنّه كان- صلوات الله عليه وسلامه- يباري الريح جودا وكرما، وكان جميع ما يدخل له من أملاكه يخرجه في الصدقات والمبرات، ولكن عقيلا كان يريد من مال المسلمين أكثر من حقّه، وما كان دين أمير المؤمنين- عليه السلام- يقتضي ذلك وكان معاوية- رضي الله عنه- يعطي لأجل مصلحة الدنيا، ولا يفكر فيما كان يفكر فيه أمير المؤمنين- عليه السلام- وانظر إلى كمال الدين حيدرة [٢] ابن عبيد الله الحسيني الموصلي وكان شيخ أهله ومقدّمهم سنّا وزهدا وفضلا وورعا كيف استماله صاحب الموصل


[١] طغرل بك: مؤسّس سلالة السلاجقة. قضى على البويهيين في بغداد/ ٤٤٧/ هـ. وخلع عليه الخليفة العباسيّ القائم لقب السلطان وملك المشرق والمغرب.
[٢] حيدرة بن عبيد الله: ترجم له المؤلف من خلال رأيه فيه، ولم تذكره المراجع من كتب الأعلام.

<<  <   >  >>