الناس إلى قتال فارس وهوّن عليهم الأمر، وشجّعهم على ذلك، فانتدب معه جماعة وتذكر الناس ما كان رسول الله- صلوات الله عليه- يعدهم به من تملّك كنوز الأكاسرة.
ولم يتمّ في ذلك أمر في خلافة أبي بكر، حتّى كانت أيام عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- وكتب إليه المثنّى بن حارثة يخبره باضطراب أمور الفرس وبجلوس يزدجرد بن شهريار [١] على سرير الملك وبصغر سنّه وكان قد جلس على السرير وعمره إحدى وعشرون سنة- فقوي حينئذ طمع العرب في غزو الفرس.
فخرج عمر- رضي الله عنه- وعسكر ظاهر المدينة، والناس لا يعلمون أين يريد، وكانوا لا يتجاسرون على سؤاله عن شيء حتى إنّ بعضهم سأله مرة عن وقت الرحيل فزجره ولم يعلمه، فكانوا إذا أعضل عليهم أمر، وكان لا بد لهم من استعلامه منه استعانوا عليه بعثمان بن عفان أو بعبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنهما- وإذا اشتدّ الأمر عليهم ثلّثوا بالعبّاس- رضي الله عنه فقال عثمان لعمر: يا أمير المؤمنين ما بلغك وما الّذي تريد؟ فنادى عمر رضي الله عنه- الصلاة جامعة. فاجتمع الناس إليه فأخبرهم الخبر ووعظهم وندبهم إلى غزو الفرس وهوّن عليهم الأمر. فأجابوا جميعا بالطاعة، ثم سألوه أن يسير معهم فقال: أفعل ذلك إلا أن يجيء رأي هو خير من هذا. ثم بعث إلى أصحاب الرأي وأعيان الصحابة وعقلائهم فأحضرهم واستشارهم، فأشاروا عليه بأن يقيم ويبعث رجلا من كبار الصحابة ويكون هو من ورائه يمدّه بالأمداد. فإن كان فتح فهو المطلوب، وإن هلك الرجل أرسل رجلا آخر. فلما انعقد إجماعهم على هذا الرأي صعد عمر المنبر- وكانوا إذا أرادوا يكلّمون الناس كلاما عامّا صعد أحدهم المنبر وخاطب الناس بما يريد- فلمّا صعد عمر قال: «أيّها الناس إنّي كنت عازما على الخروج معكم، وإن ذوي اللبّ والرأي منكم قد صرفوني عن هذا الرأي، وأشاروا
[١] يزدجرد بن شهريار: آخر ملوك الساسانيين. هزمه العرب في القادسيّة وفي نهاوند. مات اغتيالا وانقرضت بمقتله دولة الفرس الساسانيين عام/ ٣١/ هـ.