للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«بأن أقيم وأبعث رجلا من الصحابة يتولى أمر الحرب» ثم استشارهم فيمن يبعث، وفي تلك الحال وصل إليه كتاب من سعد بن أبي وقّاص وكان غائبا في بعض الأعمال، فأشاروا على عمر بسعد رضي الله عنهما- وقالوا: إنّه الأسد عاديا.

ووافق ذلك حسن رأي من عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في سعد بن أبي وقّاص، فاستحضره وولاه حرب العراق وسلّم الجيش إليه- فسار سعد بالناس، وسار عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- معهم فراسخ [١] ، ثم وعظهم وحثهم على الجهاد وودعهم، وانصرف إلى المدينة، وتوجّه سعد، فجعل ينتقل في البريّة التي بين الحجاز والكوفة يستعلم الأخبار، ورسل عمر تأتيه وكتبه يشير عليه فيها بالرأي بعد الرأي، ويمدّه بالجنود بعد الجنود، حتّى استقر رأيه على قصد القادسيّة وهي كانت باب مملكة الفرس. فلما نزل سعد بالقادسية احتاج هو ومن معه إلى الأقوات فبعث ناسا وأمرهم بتحصيل شيء من الغنم والبقر، وقد أجفل أهل السواد قدّامهم، فوجدوا رجلا فسألوه عن الغنم والبقر فقال: لا علم لي بذلك وإذا هو الراعي، وقد أدخل الدوابّ في أجمة هناك. قالوا: فصاح ثور منها: كذب الراعي ها نحن في هذه الأجمة. فدخلوا إليها واستاقوا منها عدّة، وأحضروها إلى سعد فاستبشروا بذلك وعدّوها نصرة من الله تعالى. والثور إن لم يكن قد تلفظ بحروف يكذّب بها الراعي فإنّ صياحه في تلك الساعة حتى يستدلّ بصياحه على الدوابّ عند شدة الحاجة إليها تكذيب صريح للراعي. وهو من الاتّفاقات العظيمة الدّالّة على النصر والدولة والاستبشار به واجب. وحين ورد الخبر إلى العجم بوصول سعد بالجيش، ندبوا له رستم [٢] في ثلاثين ألف مقاتل، وكان جيش العرب من سبعة آلاف إلى ثمانية آلاف. ثم اجتمع إليهم بعد ذلك ناس فالتقوا، فكان العجم يضحكون من نبل العرب ويشبّهونها بالمغازل.

وها هنا موضع حكاية تناسب ذلك، لا بأس بإيرادها: حدّثني فلك الدين


[١] فراسخ: جمع فرسخ وهو مقياس قديم للمسافات.. يبلغ/ ٨٠٠٠/ مترا.
[٢] رستم: قائد الجيش الفارسيّ في القادسية، انتهت المعركة بمصرعه.

<<  <   >  >>