للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محمد [١] بن أيدمر قال: كنت في عسكر الدّويدار الصّغير لما خرج إلى لقاء التتر بالجانب الغربيّ من مدينة السّلام، في واقعتها العظمى سنة ستّ وخمسين وستّمائة قال: فالتقينا بنهر بشير من أعمال دجيل، فكان الفارس منّا يخرج إلى المبارزة، وتحته، فرس عربيّ وعليه سلاح تامّ كأنّه وفرسه الجبل العظيم، ثم يخرج إليه من المغول فارس تحته فرس كأنه حمار، وفي يده رمح كأنه المغزل، وليس عليه كسوة ولا سلاح فيضحك منه كلّ من رآه. ثم ما تمّ النهار حتّى كانت لهم الكرّة [٢] فكسرونا كسرة عظيمة كانت مفتاح الشرّ ثم كان من الأمر ما كان.

ثم تردّدت الرسل بين رستم وسعد، فكان البدويّ يأتي إلى باب رستم وهو جالس على سرير الذهب، وقد طرحت له الوسائد المنسوجة بالذّهب، وفرش له الفرش المنسوج بالذهب وقد لبس العجم التيجان وأظهروا زينتهم وأقاموا الفيلة في حواشي المجلس. فيجيء البدويّ، وفي يده رمحه، وهو متقلّد سيفه متنكّب قوسه فيربط فرسه قريبا من سرير رستم، فيصيح العجم عليه ويهمّون بمنعه فيمنعهم رستم ثم يستدنيه [٣] فيمشي إليه متكئا على رمحه يطأ به ذلك الفراش وتلك الوسائد فيخرّقها بزج رمحه وهم ينظرون. فإذا وصل إلى رستم راجعه الحديث، فكان رستم لا يزال يسمع منهم حكما وأجوبة تروعه وتهوله.

فمن ذلك أنّ سعدا- رضي الله عنه- كان يبعث في كلّ مرّة رسولا. فقال رستم لبعض من أرسل إليه: لم لم يبعثوا إلينا صاحبنا بالأمس؟ قال: لأنّ أميرنا يعدل بيننا في الشدّة والرّخاء. وقال يوما لآخر: ما هذا المغزل الّذي في يدك؟

يعني رمحه فقال: إنّ الجمرة لا يضرّها قصرها، وقال مرّة أخرى لآخر: ما بال سيفك أراه رثّا؟ فقال: إنه خلق المغمد حديد المضرب. فراع رستم ما رأى من أمثال هذا وقال لأصحابه: انظروا فإن هؤلاء لا يخلو أمرهم من أن يكون صدقا أو


[١] فلك الدين محمّد بن أيدمر: من معارف ابن طباطبا ومعاصريه، ولم تترجم له المراجع المعروفة.
[٢] كانت لهم الكرّة: كناية عن الانتصار.
[٣] يستدنيه: يدعوه ليدنو منه.

<<  <   >  >>