للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمّا عائشة- رضي الله عنها-: فإنّها كانت على جمل في هودج، وقد ألبس هودجها الدّروع والنّسائج الحديد، فلما اشتدّ القتال وانفلّت جموعها عرقب [١] الجمل فوقع، ورفع هودجها حملا ووضع في مكان بعيد عن النّاس وكان أخوها محمّد بن أبي بكر من أصحاب عليّ- عليه السّلام- وابن زوجته أسماء بنت عميس [٢]- رضي الله عنها- فأمره عليّ- عليه السّلام- أن يمضي إلى أخته وينظر أهي سليمة أم أصابها شيء من جراح؟ فمضى فرآها سليمة، ثم أدخلها ليلا إلى البصرة، ثم إنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- أذن للنّاس في دفن القتلى، وكانوا عشرة آلاف من القبيلين ثم أمر عليه السلام- بجمع الأسلاب، وأدخلها إلى المسجد الجامع بالبصرة، ونادى في الناس من عرف من قماشه فليأخذه ثم إن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أحسن إلى عائشة غاية الإحسان، وجهّزها بكلّ ما ينبغي لمثلها، وأذن لها في الرجوع إلى المدينة وبعث معها كلّ من نجا ممّن خرج معها إلا من أحبّ المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات لأجل مؤانستها في الطريق، وسيّرها في صحبة أخيها محمّد بن أبي بكر مكرّمة محترمة. فلما كان يوم رحيلها حضر عليّ- وحضر الناس فقالت عائشة- رضي الله عنها-: يا بنيّ (وإنما قالت ذلك لأن نساء النبيّ عليه السلام هنّ أمهات المؤمنين كذلك قال الله تعالى ورسوله صلوات الله عليه) : «لا يعتب بعض على بعض إنّه والله ما كان بيني وبين عليّ في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها [٣] وإنه على معتبتي [٤] لمن الأخيار» وقال عليّ- عليه السّلام-: «صدقت والله، ما كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنّها لزوجة نبيّكم في الدنيا والآخرة»


[١] عرقب الجمل: أصيب في عرقوبه. والعرقوب. عصب غليظ فوق العقب.
[٢] أسماء بنت عميس: زوجة جعفر بن أبي طالب تزوّجها أبو بكر الصدّيق بعد قتل زوجها في وقعة مؤتة فولدت له محمّدا. ولمّا مات أبو بكر تزوجها عليّ توفيت نحو سنة/ ٤٠/ هـ. انظر الأعلام ج ١ ص/ ٣٠٦/.
[٣] الأحماء: مفردها الحمو، وهو الواحد من أهل الزوج أو الزوجة.
[٤] المعتبة: العتب والمؤاخذة أو استرضاء العاتب.

<<  <   >  >>