للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبتراثهم، وقد كان ذلك سببا في ضياع علوم غزيرة ومصنفات عزيزة.

بل إن هذا التفريط من التلاميذ أدى إلى اندثار مذاهب ومدارس فقهية كانت قبلُ قائمة بأصولها ومناهجها … وكلمة الشافعي في مذهب الليث ذائعة مشهورة: (اللَّيْثُ أَفَقَهُ مِن مَالِكِ إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَه لَم يَقُومُوا بِهِ) (١).

ثم إن من الأسباب الظاهرة بخصوص ترجمة الإمام أبي عبد الله محمد الأصبهاني - إضافة إلى ما تقدم - موته المبكر وهو في ريعان شبابه فلم يصل إلى عقده الثالث.

وكان موته بهمذان، ففجع به أبوه، واشتد حزنه عليه، قال في شرح البخاري ناعيًا إياه: (ذَهَبَ بِطَرَائِه، وَأَوجَعَ القُلُوبَ، وَأَدمَعَ العُيُونَ رَحمَةً وَاسِعَةً، وَبَلَّغَهُ دَرَجَةً عَالِيَةً فِيه) (٢)، ولِبِرِّه بابنه وحبه ووفائه له، أخذ على عاتقه إتمامَ ما كان شرع فيه، من إملاء شرح الصحيحين، فأتمَّ الله مراده، وبلَّغه قصدَه، ورُوِي عنه أنَّه كان يملي شرح مسلم عند قبر ولَدِه، ولما أتمَّه عمِل مأدُبة، وصنع حلاوةً كثيرةً شكرا لله على أن مد له في العمر، حتى أتم ما بدأه ولده الذي فُجع فيه (٣).

ومع صغر سنه فقد، بلغ مقام العلماء الكبار، وصنَّف تصانيف كثيرة في هذا السن، وكان شديد البرِّ بأبيه، قويَّ العلاقة به، فقد تتلمذ عليه، وأخذ عنه شرح الصحيحين، قال في مقدمته لشرح البخاري: (فإنَّ سيِّدنا وإمامَنا الوَالِد أبا القَاسِم


(١) مناقب الشافعي للبيهقي: ١/ ٥٢٤.
(٢) شرح صحيح البخاري لقوام السنة الأصبهاني (٢/ ١١٣).
(٣) تاريخ الإسلام: ٣٦/ ٣٧٢.

<<  <   >  >>