وأما كتابنا هذا (التحرير)، فهو متأخر عنهما بزمن يسير، فإنه بما ثبت من إكماله بعد وفاة صاحبه، عُلم أنَّه إنما تم وانتُهِي منه ما بين سنةِ وفاة الابن: ٥٢٦ هـ، وسنة وفاة الأب: ٥٣٥ هـ، وأما ابتداء إملائه؛ فالظاهر أنه في ذات السنة التي توفي فيها الابن، أو قبلها بقليل، لأنه لم يمل منه إلا القدر اليسير، كما سبق بيانه.
وعلى كلٍّ؛ فهذه الكتب الثلاث هي البواكير الأولى لشرح صحيح مسلم، لم يسبق إلى ذلك غيرهم، وهم من الأقران المتعاصرين، وليس لسبق بعضهم على بعض مزية تذكر، إذ الظاهر من خلال مقارنتها؛ أن المتأخر منهم لم يطلع على ما كتبه سابقه، فكل منهم ألف كتابه استقلالا.
[المطلب الثالث نقل العلماء عنه ورجوعهم إليه]
خلد الله سبحانه ذكر هذا الكتاب، فلا يكاد يخلو شرح من شروح الصحيحين وغيرهما من تقريراته وفوائده.
وإذا كان منهاج الإمام النووي أجلَّ وأوعبَ الشروح، وأوسعَها انتشارا، وأكثرَها قبولا، فإنه لم يستغن عن كتاب التحرير، بل جعله - إلى جانب إكمال القاضي عياض - عمدة كتابه، فأكثر النقل عنه، والإحالة عليه.
وباستقراء شرح الإمام النووي، فإن نقولاته التي نص عليها، وأحال فيها على صاحب التحرير، تبلغ خمسة وخمسين نقلا وإحالة؛ حسب ما يلي: