علم الغريب في حقيقته لا ينفك عن علم اللغة العربية، بل هما شيء واحد، وما حُفظت اللغةُ العربية، ولا قُعِّدَت، ولا عُنِي بنثرها وقريضها، وبيانها وبديعها، ولا أُلِّفت المعاجم والقواميس، إلا خدمةً لعلوم الشريعة، خاصة علم الغريبين.
ولذا فإن الإحاطة بوجوه اللغة واستعمالاتها، ومذاهب النحاة واللغويين واتجاهاتهم، وأدلة كل قوم، مع ضبط النقل قرآنا وحديثا وآثارا وأشعارا وأمثالا، شرط في المجتهد الذي يتصدر لتفسير غريب الحديث، وبيان مشكله، وهو ما استوفاه الإمام الأصبهاني ﵀ واتصف به، ويدل على ذلك ارتضاء العلماء لقوله، وتحكيمه في دقائق المسائل، وأذكر هنا مثالين، مثالا لقوام السنة، وآخر لوَلَدِه:
* الأول: في حديث سهلِ بن سعدٍ عند مسلمٍ، أن المنذرَ بنَ أبي أُسَيدٍ أُتِي به إلى النبي ﷺ يوم وُلد، فوُضِع على فخذه، فَلَهِيَ النبي ﷺ بشيء، فاحتُمِل الصبيُّ من على فخذِ النبي ﷺ فأقلَبوه، فاستفاق رسولُ الله ﷺ فقال:(أَينَ الصَّبِي)، قال أبو أسيدٍ: أقلَبْنَاه يا رسول الله. الحديث (١).
(١) الحديث رواه مسلم برقم: ٢١٤٩، وهو عند البخاري برقم: ٦١٩١، لكن بلفظ: (قلبناه) بلا همز.