الحمد لله المحمود بآلائه، الممدوح على نعمائه، المشكور بجزيل عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله، ولي النعم كلها دون سواه، أحمده أبلغ حمد وأزكاه، وأشمله وأنماه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده الذي ارتضاه، ونبيه الذي اختاره واجتباه، ورسوله الذي ائتمنه واصطفاه، ورفعه وأعلاه، وخصه بختم النبوة وحباه، وأبانه بأعلى منازل الفضل على كل آدمي عداه، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الغر الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد:
فمما لا شك فيه ولا مرية أن دواوين السنّة، من أعظم ما يَصرف لها العقلاء الأكياس عزيز الأوقات، وغُرر الأنفاس، وذلك لمسيس حاجة العلماء وطلبة العلم إليها، ولعظيم منزلتها السنِية العلية في بناء العلوم الشرعية وتأسيسها، إذ الحَدِيثُ بِمَنزِلَةِ الأَسَاسِ الَّذِي هُوَ الأَصلُ، وَالفِقهُ بِمَنزِلَةِ البِنَاءِ الَّذِي هُوَ لَهُ كَالفَرعِ، وَكُلُّ بِنَاءٍ لَم يُوضَع عَلَى قَاعِدَةٍ وَأَسَاسٍ فَهُوَ مُنهَارٌ، وَكُلُّ أَسَاسٍ خَلَا عَن بِنَاءٍ وَعِمَارَةٍ فَهُوَ قَفْرٌ وَخَرَابٌ (١).
وقد صرف الأسلاف هممهم لهذه الدواوين، وجعلوا النهل من رياضها