للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

للمغفرة، وفيه حث على اصطناع المعروف وإن قل، لأن المرأة الفاجرة نجت بسقيها كلبًا.

[ومن باب لا تسبوا الدهر]

[٦٨٢] وقال أبو عبيد (١): هذا مما لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه، لأن أهل التعطيل يحتجون به على المسلمين، وقد رأيت من نتَّهِم بالزندقة والدهرية؛ يحتج بهذا الحديث، يقول: ألا تراه يقول: (فَإِنَّ الله هُوَ الدَّهْرُ) (٢)؛ فقلت: وهل كان أحد يسب الله في آباد الدهر، قد قال الأعشى:

اسْتَأْثَرَ الله بالوفاءِ وبالْـ … ـحَمْدِ وَوَلَّى المَلامَةَ الرَّجُلا (٣)

وإنما تأويله عندي - والله أعلم - أن العرب كان شأنها أن تذم الدهر وتسبه عند المصائب التي تنزل بها؛ من موت؛ أو هرم؛ أو تلف مال؛ أو غير ذلك، فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر، فيجعلونه الذي يفعل ذلك؛ فيذمونه عليه، وقد ذكروه في أشعارهم، قال الشاعر يذكر قوما هلكوا:

فَاسْتَأْثَرَ الدَّهْرُ الْغَدَاةَ بِهِمْ … وَالدَّهْرُ يَرْمِينِي وَلَا أَرْمِي

يَا دَهْرُ قَدْ أَكْثَرْتَ فَجْعَتَنَا … بِسَرَاتِنَا وَوَقَرْتَ فِي الْعَظْمِ

وَسَلَبْتَنَا مَا لَسْتَ تُعْقِبُنَا … يَا دَهْرُ مَا أَنْصَفْتَ فِي الْحُكْمِ (٤)


(١) غريب الحديث: ٢/ ١٤٥.
(٢) حديث أبي هريرة: أخرجه مسلم برقم: ٢٢٤٦، وأخرجه البخاري برقم: ٦١٨٢.
(٣) ينظر: الشعر والشعراء: ١/ ٧٠، والعقد الفريد: ٢/ ٢١٨، والحيوان: ٣/ ٢٣٣، ومعجم الشعراء: ٤٠١.
(٤) الأبيات لزهير، ونسبت للأعشى، ينظر: حماسة البحتري: ٢٢٢، ومقاييس اللغة: ٢/ ٨٤٨،=

<<  <   >  >>