يسرُّ "مشروع أسفار" أنْ يقدِّمَ للقارئ الكريم الإصدارَ الحادي والأَربعين من إصدارات المشروع: (التَّحرير في شَرحِ مُسلِم)، لشيخِ الإسلام قِوام السنَّة إسماعيل التَّيميِّ الأصبهانيِّ (ت ٥٣٥).
كتابُنا؛ دُرَّةٌ من بحورِ السنَّة النبوية، وجدناها بعدَ طُولِ غياب، واستَخرَجناها عن الاحتجاب، من عُيونِ شُروحِ صحيحِ "الإمام مُسلِمِ بن الحجَّاج القُشيريِّ" أملاهُ "إمامُ وقتهِ، وأستاذُ علماءِ عَصرهِ، وقدوةُ أهلِ السنَّةِ في زمانهِ" قوامُ السنَّة من "جهابذةِ الحديثِ ونقَّادِهم" و"المسؤول عن الغَوامضِ والمشكِلات"، كان مشاركًا في العلوم؛ نحويًّا، مفسِّرًا، محدِّثًا، فقيهًا، عالمًا بالتَّوحيد ومقالات الفِرَق، قال الحافظُ ابن كثير:"ورَحَلَ وطوّف، وجَالَ وصنّف"، انقطع للتَّدريس أكثر من ستينَ سنةً حتى تخرَّج به العلماء وصدروا عنه، وكان منهم ابنه الإمام محمد بن إسماعيل.
فمن خَبَرِ الكتاب: أنَّ هذه الإملاءة تتميمٌ لما كتبه الإمامُ أبو عبد الله محمَّد بنُ إسماعيلَ (قوامِ السنَّة)، فقد شرَعَ في شرحِ مسلم وكتبَ حظًّا صالحًا من مبادئه، غير أنَّه قَضَى ﵀ ولم يتمَّه فأكمله أبوه، وقد اشتهر محمَّد بن إسماعيل بـ (شارحِ مُسلِم) بين المترجمين والنَّاقلين نظرًا لعنايتهِ به، لكن لم نقف عليه بعد، "فالجزء الأوَّل من الشَّرح" في حكم المفقود، وعليه تمحَّضَت هذه النُّسخة الخطيَّة التي ننشرها لقِوام السُّنةِ وحدَهُ؛ فهي القسم الثاني من الكتاب: تبدأ بـ "كتاب الزَّكاة" وتنتهي بـ "باب ذكرِ الدجَّال"، وقد كان شيخُ الإسلام الأصبهانيُّ ﵀ حفيًّا بشرحِ الكتاب وتكميله، فأولاه عنايتَهُ واهتمامه، وقصدَ نفعَ ولده بإتمامه.
ومِن مزايا كتاب "التَّحرير" ومَسلكِهِ: أنَّه يُعتبر من الشُّروح الأولى لصَحِيحِ مُسلم، فهو الثَّالث بعد شرحَيْ الإمامين: المازَري وعبد الغافر الفارسيِّ، ويُعدُّ من بواكيرِ عناية علماءِ المشرق بصَحيح الإمامِ مُسلِم، ومن أهميته كثرةُ إفادة الأئمة منه؛ كابن تيميَّة والفاكهاني وابن الملقن والعراقي وابن حجر العسقلاني وغيرهم من شرَّاح السنَّة، واعتمدهُ الإمامُ النَّووي ضمن مصادره العلميَّة في شرحه مسلمًا وبلغت الإحالات عليه