وليس معنى القدر من الله إجبارٌ وقهرٌ للعبد على ما قضاه وقدره، والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر، وإذا كان الأمر على ذلك، فقد بقي عليهم من وراء علم الله تعالى فيهم؛ أفعالهم وأكسابهم ومباشرتهم تلك الأمور، وملابستهم إياها عن قصد وتعمد، وتقديمِ إرادة واختيار، والحجة إنما تلزم بها، وجملة القول أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر، لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما، فقد رام هدم البناء ونقضَه، وإنما كان موضع الحجة لازما على موسى أن الله سبحانه إذا كان قد علم من آدم أنه يتناول الشجرة، ويأكل منها، فكيف يمكنه أن يردَّ علم الله فيه، وأن يبطله بضد ذلك، وإنما أدلى آدم بالحجة على هذا المعنى، ودفع لائمة موسى عن نفسه بهذا الوجه.
فإن قيل: فعلى هذا يجب أن يَسقط اللوم عنه أصلا، قيل: اللوم ساقط عنه من قبل موسى ﵇، إذ ليس لأحد أن يعير أحدا بذنب كان منه، لأن الخلق كلهم تحت العبودية سواء، وقد روي:(لَا تَنْظُرُوا إِلَى ذُنُوبِ العِبَادِ كَأَنَّكُم أَرْبَابٌ، وَانْظُرُوا إِلَيهِم كَأَنَّكُم عَبِيدٌ)(١)، ولكن اللوم لازم لآدم ﵇ من قِبَل الله، إذ كان قد أمره ونهاه، فخرج إلى معصيته، وباشر المَنْهِيَ عنه، والله الحجة البالغة ﷾ لا شريك له.
وقول موسى ﵇ وإن كان منه في النفوس شبهة، وفي ظاهره مُتَعَلَّق؛
(١) حكي هذا من كلام عيسى ﵇، رواه الإمام مالك بلاغا في موطئه برقم: ٨ من كتاب الكلام، ومن طريقه ابن المبارك في كتاب الزهد برقم: ١٣٥، وكذلك رواه أحمد في كتاب الزهد برقم: ٣١١.