للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثبت على الخلقة التي خُلق عليها من إسلام؛ عُلم أنه على الإسلام، فالفطرة على هذا الخِلقة التي خلق عليها من إسلام وضدِّه، وقوله: (جَمْعَاء)؛ أي: سليمة، سميت جَمْعَاء لاجتماع السلامة في أعضائها، وقوله: (هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا)؛ أي: تبصرون فيها، (مِنْ جَدْعَاءَ)؛ أي مقطوعة الأنف، يقول: إن البهيمة أول ما تولد تكون سليمة من الجدع والخرم ونحو ذلك من العيوب، حتى يُحْدِث فيها أربابُها هذه النقائص، كذلك الطفل يولد مجبولًا على خِلقة لو ترك عليها لسَلِم من الآفات، إلا أن والديه يُزَيِّنان له الكفر، ويحملانه عليه، وليس في هذا ما يوجب حكم الإيمان له، إنما هو ثناء على هذا الدين، وإخبار عن حسن موقعه من النفوس.

قال الخطابي في قوله: (اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) (١)، وقول عبد الله بن المبارك في ذلك يريد والله أعلم: أن كل مولود من البشر إنما يولد على فطرته التي جبل عليها من السعادة أو الشقاوة، وعلى ما سبق له من قدَرِ الله ومشيئته فيه من كفرٍ أو إيمانٍ، فكلٌّ صائر منهم في العاقبة إلى ما فُطِر عليه، وخُلق له، وعامِلٌ في الدنيا بالعمل المُشَاكِل لفطرته في السعادة أو الشقاوة، فمِن أماراتِ الشقاوة للطفل أن يولد بين أبوين يهوديين أو نصرانيين؛ فيحملانه لشقاوته على اعتقاد دين اليهود والنصارى، أو يُعلِّمانه اليهودية والنصرانية، أو يموت قبل أن يعقل؛ فيصف الدين؛ فهو محكوم له بحكم والديه، إذ هو في حكم الشريعة تبع لوالديه، وذلك معنى قوله: (فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ) (٢).


(١) متفق عليه سبق تخريجه قريبا.
(٢) الحديث حديث الباب، وينظر كلام الخطابي في معالم السنن: ٤/ ٣٢٦.

<<  <   >  >>