للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكَرَ الحاكمُ (١) عَنْ مجاهدٍ: أنَّ اللهَ تعالى غرسَ جنَّات عدن بيده فلما تكاملتْ أغلقتْ فهي تفتح كل سحرٍ، فينظر اللهُ إليها فيقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)}.

وأخرجَ ابن أبي الدُّنيا عن أنسٍ رضي اللهُ عنه مرفوعًا: "خَلَقَ اللهُ جنةَ عدن بيده لبنة مِنْ درة بيضاء، ولبنة من ياقوتة حمراء، ولبنة من زبرجدة خضراء ملاطُها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران. ثُمَّ قال لها: انطقي. قالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)}. فقال اللهُ عزَّ وجل: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيكِ بخيلِ" ثم تلا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٢) [الحشر: ٩] فهذه الجنَّة من الجنان كآدم في نوع الحيوان بجامع أنَّ كلًا منها خلقهُ اللهُ بيده جلَّ شأنه وتعالى سلطانُه.

قال في "حادي الأرواح": تأملْ هذه العناية كيف خصَّ الجنَّةَ التي غرسها بيديه لمن خلقه، ولأفضل ذريته اعتناء وتشريفًا وإظهار الفضل لما خلقه بيده على غيره (٣). فهذا كلّه يدلُّ على أنَّ جنةَ عدن اسم لموضعٍ من الجنان مخصوص ويُطلق على جملةِ الجنات، إمَّا حقيقة


(١) أبو نعيم في "صفة الجنَّة" (١٨)، والطبراني في "تفسيره" (١٨/ ١).
(٢) أورده الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (١٥٥٣)، (٢١٩٢)، وعزاه المصنف لابن أبي الدُّنيا في صفة الجنَّة.
(٣) "حادي الأرواح" ص ١٥٦.