للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأغنياءِ بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة وإنْ سبقه غيره في الدّخول، والدليل على ذلك أنّ مِنَ الأمّة مَنْ يدخل الجنَّة بغيرِ حساب وهم من مر ذكرهم، وقد يكون بعض من محاسب أفضل من أكثرهم، والغني إذا حوسب على غناه فوجد شاكرًا لله قد تقرب بأنواع البر والصَّدقةِ كان أعلى درجة من الفقيرِ السَّابق له في الدخول من غيرِ تلكَ الأعمالِ لاسيما إذا شاركه الغني في أنواع عباداته، وقد زاد عليه بالصدقة بفضل ما له، فإنَّ الله لا يضيع مثقال ذرة (١).

نعم الفقير له المزية بسبقه وهما مزيتان مزية سبق، ومزية رفعة فقد يجتمعان فيحصل السبق والرفعة لبعضِ الأشخاص، وتلك تمام السعادة، وقد يعدمها آخر، وقد يحصل لبعضهم السبق دون الرفعة وبالعكس (٢).

ومما ينبغي أنْ يعلم أنَّ المراد بالفقير هو الفقير الصابر الذي قد اطمأن قلبه لما قدره اللهُ تعالى له، ورضي بقضائه دون الفقير الساخط بل فقر هذا كجوع الكلابِ، وذاك كجوعِ الصائم من أولي الألباب، والمراد بالغني هو الغني الشاكر، وأمَّا ما نعي الزكاة، وأضرابهم فهم بمعزل عن هذا بل هم مع إخوانهم في سقر سيما من استحوذ عليهم الشيطان فأنفقوا أموالهم فى اللهو والهذيان، ثمّ إذا حال الحول أتوا


(١) ومنه الحديث: "ذهب أهل الدثور بالأجور والدرجات العالية" إلخ وفيه: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
(٢) "حادي الأرواح" ١٦٨ - ١٧٠.