للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دع الدُّنيا ولا تركن إليها ... ومع من فرّ منها سلسبيلا

لعلك في جنانِ الخلد تحظى ... بها عين تسمى سلسبيلا

تنبيه: قد تضمنت الأخبار التي ذكرناها أنَّ لأهل الجنَّةِ فيها خبزًا، ولحمًا، وفاكهة، وحلوى، وأنواع أشربة من الماء، واللبن، والخمر، والعسل، وليس في الدنيا مما في الآخرة إلَّا الموافقة في الأسماء، وأمَّا المسميات فبينها من التفاوت ما لا يعلمه البشر.

فإنْ قيل: فأين يشوى اللحم ولا ثَمَّ نار؟

قلت: أجاب بعضُ العلماء عن هذا الاستشكال بأنَّه يشوى في الجنَّة بأسباب قدرها الله سبحانه غير النار كما قدر إنضاج الثمر والطعام، وقيل غير ذلك.

وظاهر كلام الإمام المحقق في "حادي الأرواح" (١) أنه يشوى في الجنَّة بنار تكون مصلحة غير مفسدة بل صرح بذلك حيث قال: لا يمتنع أن يكون فيها نار تصلح ولا تفسد شيئًا.

وقد صحّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "مجامرهم الألوة" فالمجامر جمع مجمر، وهو البخور الذي يتبخر بإحراقه، والألوة: العود المُطرَّاة كما مر، فأخبر سبحانه أنَهم يتجمرون به أي: يتبخرون بإحراقه لتسطع لهم رائحته، وقد أخبر سبحانه أنَّ في الجنَّة ظلالًا، والظلال لابد أن تقي مما يقابلها، فقال: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (٥٦)} [يس: ٥٦]، وقال: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} [النساء: ٥٧] فالأطعمة،


(١) "حادي الأرواح" ص ٢٧٤.