للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعم قد زهد في مراد المراد من هو أجلّ منه، وأعلى فما خرج عن الإرادة، وإنَّما أنتقل من إرادةٍ إلى إرادة، ومن مراد إلى مراد وأمَّا خلوه عن صفة الإرادة بالكلية مع حضورِ عقله، وحسه فمحال. ثُمَّ قال: وإن حاكمنا في ذلك محاكم إلى ذوق مصطلم مأخوذ عن نفسه قلنا له: هذه حالة عارضة غير دائمة، ولا هي غاية مطلوبة للسالكين، ولا مقدورة للبشر. انتهى كلامه ملخصًا.

قلت: وفي قول سيدي أبي يزيد: (أريد أن لا أريد) إثبات لإرادةٍ ما فقد طلب أن يريد أن لا يريد فهو مستمر بإرادة أن لا يريد. فقد ثبت أنه مريد، فتأمّل لهذه الدقيقة التي هي عين الحقيقة. والذي يظهر من طلب عدم الإرادة يعني: أن لا يريد سوى المحبوب المطلق، ومحابه كما هو مصرح به في كلام فحولهم واللَّه تعالى أعلم.

قال الحافظ ابن رجب: وهنا أمر آخر وهو أن في جهنم من أنواع العذاب المتعلق بالأمور المخلوقة لا يخافها العارفون كما أن ما أعده اللَّه تعالى في الجنَّة من أنواع النعيم المتعلق بالأمور المخلوقة لا يحبه العارفون، ولا يطلبونه. قال: وهذا في نفس الأمر غلط والنصوص دالة على خلافه وهو مخالف لما جبل الله عليه الخلق من محبة الملائم، وكراهة المنافر وإنَّما صدر مثل هذا الكلام ممن صدر منه في حال سكره، واستغراقه فظن أنّ العبد لا يبقى له إرادة أصلًا فإذا رجع إليه عقله علم أنّ الأمر على خلاف ذلك.

ونحن نضرب لك مثلًا يتضح به هذا الأمر وهو أن أهل