للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجنَّةِ إذا دخلوها، واستدعاهم الرب سبحانه إلى زيارته، ومشاهدته، ومحاضرته يوم المزيد فإنهم ينسون عند ذلك كلّ نعيم، ولا يلتفتون إلى شيء مما كانوا شاهدوا من نعيم الجنَّة حتى يحتجب عنهم فلو ذكروا في حال نظرهم إليه بشيء من النعيم لأعرضوا عنه، ولأخبروا أنَّهم لا يريدون في تلك الحال، وكذلك لو خوفوا بعذاب ونحوه لم يلتفتوا إليه وربما لم يستشعروا ألمه في تلك الحال وإنَّما يحذرون الحجاب عما هم فيه والبعد عنه (١) كما أشار من استشعر ذلك إلى هذا المقام بقوله:

عذب بما شئت غير البعد عنك تجد ... أوفى محب بما يرضيك مبتهج

وخذ بقية ما أبقيت من رمق ... لا خير في الحب إن أبقى على المهج

وإن هددوا بالهجر ماتوا مخافة ... وإن أوعدوا بالقتل حنوا إلى القتل

قال الحافظ: فإذا رجعوا إلى منازلهم رجعوا إلى ما كانوا عليه من التنعم بأنواع النعيم المخلوق لهم بل يُزاد نعيمهم بذلك مع شدة شوقهم إلى يوم المزيد ثانيًا.

فهكذا حال العارفين الصادقين في الدُّنيا إذا تجلى على قلوبهم أنوار الإحسان فاستولى عليها ولله المثل الأعلى. فإن هذا من شواهد ما يحصل لهم في الجنَّة يوم المزيد فهم لا يلتفتون في تلك الحال إلى غير ما هم فيه من الأنس باللَّه، والتنعم بقربه، وذكره، ومحبته حتى ينسوا ذكر نعيم الجنَّة، ويصغر عندهم بالنسبة إلى ما هم فيه فلا يخافون حينئذ إلا


(١) انظر "التخويف من النار" ص ٢٥ - ٢٦.