للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ننكر أنَّ هيبة اللَّه، وعظمته، وخشيته في الصدور، وإجلاله مقصود أيضًا ولكن القدر النافع من ذلك ما كان عونًا على التقرب إلى اللَّه سبحانه بفعل ما يحبه، وترك ما يكرهه فمتى منع الخوف من ذلك انعكس المقصود، وصار النفع غير موجوب نعم إنْ حصل عن غلبةٍ عُذِرَ صاحبه وقد كان في السلف من حصل له من ذلك أهوال شتى لغلبة حال شهادة قلوبهم النار وصفات الانتقام والقهر فمنهم من كان يلازمه القلق، والبكاء وربما اضطرب وغشي عليه إذا سمع ذكر النار.

وقد روى أنَّه - صلى الله عليه وسلم - سمع (١) قارئًا يقرأ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (١٢) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (١٣)} [المزمل: ١٢ - ١٣] فصعق - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية: "فبكى حتى غشي عليه" لكنه مرسل ضعيف.

روى أنه لمَّا نزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: ٦] تلاها - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم على أصحابه فخر فتى مغشيًا عليه فوضع النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يده على فؤاده. وفي لفظ: بطنه فإذا هو يتحرك فقال - صلى الله عليه وسلم -: "يا فتى قل: لا إله إلا اللَّه". فقالها، فبشره بالجنَّة، فقال أصحابه: يا رسُولَ اللَّه أمن بيننا؟ قال: "أوما سمعتم قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} " [إبراهيم: ١٤] رواه الحاكم عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما وصححه (٢).

وكان ابن عمر رضي اللَّه عنهما يصلي وهو يتأمل ويتأوّه حتى لو


(١) البيهقي في "شعب الإيمان" ١/ ٥٢٢ (٩١٧) باب: الخوف من الله تعالى.
(٢) انظر "المستدرك" ٢/ ٣٥١.