قال ابن الجوزي: ومن المعلوم ليس تحظى (١) بها الحواس بل حس سادس مظنته القلب وهذه الحاسة تدرك بالخمس وبها يتميز الآدمي عن البهيمة.
فجمالُ المعاني المدركة بالعقل والبصيرة أعظم من جمال الصورة الظاهرة للأبصار فتكون لذة القلوب بما تدركه من الأمور الشريفة التي تجل عن أن تدركها الحواس أتم وأبلغ فيكون مثال العقل الصحيح أقوى فلا ينكر حُبَّ الله إلا من جاوز إدراك الحواس.
ومن المعلوم أن الإنسان يحب نفسه ودوام وجودها ويحب المال لأنه سبب بقائه ويحب ولده لأنه جزء منه ويحب أهله ومن أحسن إليه وليس كل جمال يدركه الحس فإن القلب أشد إدراكًا من العين وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور المدركة بالأبصار فإنّ من أحب أبا بكر وعليًا شاهد جمالهما وكمالهما في معانيه بعين علمه لا ببصره وكذلك من أبغض إبليس وأبا جهلٍ فبمشاهدة البصائر مقابحهما لا صورهما وهذه البصيرة هي نور العقل التام المعبر بها عند القوم بالذوق فجل المعاني العظيمة إنما تدرك بالذوق لا بالحواس.
(١) ورد في هامش الأصل: قوله: ليس تحظى بها: الظاهر أن الضمير يرجع إلى الصلاة يعني: أن قرة عين المصلِّي لا تدرك بالحواس الظاهرة. إذ هي لذة القلب وفرحه. وهي أعظم من لذة النساء والطيب وسائر الملاذ المدركة بالحواس. أهـ.