للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الالتفات إلى غيره سبحانه بالعمل.

والثاني: المعرفة التي تستلزم المحبة الخاصة؛ وهو أنْ يعمل العبد على مشاهدته بقلبه ربه، وهو أنْ يتنور قلبه بنور الإيمان، وينفذ ببصيرته في العرفان حتى يصير الغيب عنده كالعيان وهذا هو مقام الإحسان المشار إليه في حديث جبريل عليه السلام، وهو الذي دندن حوله أهْل الجد والاجتهاد، وحام على سرادقاته أهل المعارف والسداد، وهو يتفاوت بحسب قوة نفود البصائر وقد فسرت طائفةٌ مِنَ العلماءِ المثل الأعلى المذكور في قوله تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الروم: ٢٧] بهذا. ومثله قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: ٣٥] الآية. قال كعب بن أبي كعب - رضي الله عنه -: المراد مثل نور الله في قلب المؤمن (١). ومن هذا حديث حارثة - رضي الله عنه - لمَّا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: وكأنِّي أنظر إلى عرش ربِّي بارزًا، وكأنِّي أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهْل النارِ يتعاوون فيها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عرفت فالزم عبد نوَّر الله الإيمانَ في قلبه" (٢) وهذا الحديث روي مسندًا، ومرسلاً وتقدم.

ويتولد من هذين المقامين مقام الحياء من الله عزَّ وجل وقد أشارَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك في حديث: بهز بن حكيم عن أبيه، عن


(١) "تفسير ابن كِثير" ١٠/ ٢٣٥.
(٢) أخرجه عبد بن حميد في "مسنده" ١/ ١٦٥، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٦/ ١٧٠، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٧/ ٣٦٣.