للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستثقال ما يشغل عنه من مخالطة السوى وقد صبح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "إنَّ أحدكم إذا كان يصلي فإنَّما يناجي ربَّه أو ربّه بينه وبين القبلة" (١) والمراد: أنه معاينه سبحانه وتعالى فهو يبصره وعلمه معه.

وقد عكف العبّاد على العبادة في الخلوات ليحصل لهم أنس الجلوات حتَّى قال قائلهم (٢): لولا الجماعة يعني: الصلاة في الجماعة ما خرجتُ من بابي أبدا حتَّى أموت وقال: ما يجد المطيعون لله لذة في الدنيا أحلى من الخلوة بمناجاة سيدهم، ولا أحب لهم في الآخرة من عظم الثواب أكثر في صدورهم وألذ في قلوبهم من النظر إليه ثم غشي عليه.

وقال إبراهيم بن أدهم (٣): أعلى الدرجات أنْ تنقطع إلى ربك، وتستأنس إليه بقلبك، وعقلك، وجميع جوارحك حتَّى لا ترجو إلا ربّك، ولا تخاف إلا ذنبك، وترسخ محبته في قلبك حتَّى لا تؤثر عليها شيئًا فإذا كنت كذلك لم تبال أفي برّ كنت، أو في بحر، أو في سهل، أو في جبل، وكان شوقك تلقاء الحبيب شوق الظمآن إلى الماءِ البارد، وشوق الجائع إلى الطعام الطيب، ويكون ذكر الله عزَّ وجل عندك أحلا من العسل، وأشهى من الماء العذب الصافي عند العطشان في اليوم الصائف.

وقال الفضيل (٤): طوب لمَن استوحش من الناسِ وكان الله


(١) أخرجه البخاري (١٣١٨)، ومسلم (٥٤٧)، وأحمد ٢/ ٣٤.
(٢) في حاشية ط هو مسلم العابد.
(٣) ذكره ابن رجب في "العلوم والحكم" ١/ ١٣٣.
(٤) المصدر السابق ١/ ١٣٤.