للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيا من اشتغل في الدُّنيا بالدون أفقْ من هذه الغفلة، واعتبر ما أنت ومن تكون؟! قد خطبك مِن نفسك مَن يقل للشيء: كن فيكون واشترى نفسَكَ منك فما الذي حملك على عدم تسليم المثمن يا مفتون؟ وتعرف إليك من القدم أما تستحي من بلاء غطى بلاء.

اشتريت جارية مطربة بعشرين ألف درهم فبينا هي يومًا تغنّي:

وحقك لانقضت الدهر عهدا ... ولا كدرت بعد الصفو ودا

ملأت جوانحي والقلب وجدا ... فكيف أقرّ يا سكني وأهدا

فيا مَن ليس لي مولى سواه ... تراك رضيتني في الناس عبدا

فصاح بها الذهن من باطن القلب: مَن تعنين؟ وبمن تغنين؟ فانتبهت فعلمت أنَّه لا مولى سوى الحق، ولا يحسن بعد {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] نقض عهد فتغيرت واختلطت فقيل لها مالك فقالت:

خاطبني الحق من جناني (١) ... فكان وعظي على لساني

قربني منه بَعدَ بُعدٍ ... وخصني منه واصطفاني

أجبت لما دُعيتُ طوعًا ... ملبيا للذي دعاني

وخفت مما جنيت قدما ... فوقع الحب بالأماني

ثم رمى بها الفكر في بحر الوجد واشتغلت عن الخلق بالذكر وجعلت تقول:

يا من رأى وحشتي فآنسني ... بالقرب من فضله وأنعشني


(١) إذا كان المقصود الباعث به خوفه من الله عز وجل فهذا شيء صحيح وأما إذا كان يقصد بالعبارة التي يتذاكرها الصوفية وهي حدثني قلبى عن ربي فهذا مرم.