قال حسين بن زياد: أخذ فضيل بن عياض بيدي فقال: يا حسين ينزل الله كلّ ليلة إلى سماء الدنيا فيقول: كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني أليس كل حبيب يحب الخلوة بحبيبه؟ ها أنا ذا مطلع على أحبابي إذا جنهم الليل مثلت نفسي بين أعينهم فخاطبوني على المشاهدة، وكلموني على حضوري غدًا أُقِرُّ أعينهم في جناني (١).
وفي لفظ: جعلت أبصارهم في قلوبهم ومثلت نفسي بين أعينهم. فإن قلت: كيف قال تعالى: ومثلت نفسي وهو سبحانه لا مثل له قلنا: هذا كلام من لم يعلم الفرق بين المثل والمثال وذلك جهل فالمثل هو المساوي في جميع الصفات والمثال لا يُشترط فيه المساواة وتأمل العقل فإنه لا يماثله غيره وكثيرًا ما يمثل بالشمس وليس بينهما المناسبة إلا بشيء واحد وهو أنَّ المحسوسات تنكشف بنور الشمس كما تنكشف المعقولات بنور العقل.
والمراد هنا: جعلت بصائر أحبابي مشاهدة لي، وناظرة لجمالي، وعاكفة عليه، ومخاطبة لي على الحضور والشاهدة ومن هنا ترك أهل المحبة المنام، واستعذبوا صف الأقدام في جملةِ الخدام وأسبلوا دموعَ الشوق والشغف، وبذلوا النفوس النفيسة لينالوا ذلك الشرف.
قال أحمد بن أبي الحواري: دخلتُ على أبي سليمان فرأيته يبكي فقلت: ما يبكيك؟ قال: ويحك يا أحمد إذا جنَّ الليلُ، وخلا كلُّ حبيبٍ بحبيبه افترشَ أهْلُ المحبة أقدامهم، وجرت دموعُهم على