خدودِهم أشرف الجليل جل جلاله وقال: بعيني من تلذذ بكلامي، واستروح إلى مناجاتي وأنا مطلع عليهم في خلواتهم أسمع أنينهم، وأرى بكاءهم، وحنينهم يا جبريل نادهم: ما هذا الذي أرى فيكم؟ هل أخبركم مخبر أنَّ حبيبًا يعذِّب أحبابَه بالنَّارِ؟ بل كيف يجمل أن أعذب قومًا إذا جنهم الليل تملقوني؟ في حلفت إذا وردوا القيامة علىَّ أن أسفر لهم عن وجهي، وأبيحهم رياض قدسي.
وكان لداود الطائي جارة يُقال لها أم سعيد بن علقمة قالت: كان بيني وبين داود الطائي جدار قصير فكنت أسمع حنينَه عامة الليلِ لا يهدأ ولربَّما سمعته يقول في جوف الليل: اللهمَّ همك عطل على الهموم، وحال بيني وبين السهاد، وشوقي إلى النظرِ إليكَ وضعَ مني اللذات والشهوات فأنا في سبحتك أيها الكريم مطلوب قالت: وربَّما ترنم في السحرِ بشيء من القرآن فأرى أنَّ جميعَ نعيم الدُّنيا جمع في ترنمه تلك الساعة (١). أحبابي أمّا جفن عيني فمقروح، وأمّا فؤادي فهو بالشوق مجروح:
يذكرني مر النسيم عهودكم ... فأزداد شوقًا كلّما هبت الريح
أراني إذا ما أظلم الليلُ أشرقت ... بقلبي من نار الغرام مصابيح
أصلي بذكراكم إذا كنت خاليًا ... إلا أنَّ تذكار الأحبّة تسبيح
يشح فؤادي أن يخامر سره ... سواكم وبعض الشح في المرء ممدوح
وإنْ لاح برق بالغوير تقطع ... الفؤاد على وادٍ به ألبانُ والشيح