للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يزل المحبون يستروحون لنسيم الأسحار، ويترنمون على ذلك بالأشعارِ وذلك لأنَّها تمر على دارِ الحبيب، وتحمل من ذلك البرد والطيب ولذا قيل:

تمرُّ الصبا سفحًا بساكن ذي الفضا ... وتصدع قلبي أن يهب هبوبها

قريبة عهد بالحبيب وإنَّما ... هوى كل نفس حيث حل حبيبها

قال الحافظ ابن الجوزي: قال الربيع: بت أنا ومحمد بن المنكدر وثابت البناني عند ريحانة المجنونة بالأيلة فقامت الليل وهي تقول:

قام المحب إلى المؤمل قومةً ... كاد الفؤاد من السرور يطير

فلمَّا كان جوف الليل سمعتها تقول:

لا يأنس بمن يوحشك نظرته ... فيمنعن من التذكار في الظلم

واجهد وكد وكن في الليل ذا شجن ... يسقيك كأس وداد العز والكرم

ثم نادت: واحزناه. فقلت: من ماذا؟ فقالت:

ذهبَ الظلامُ بأنسه وبألفه ... ليت الظلام بأنسه يتجدد

وقيل لبعض العارفين: متى تقع الفراسة على الغائب؟ قال: إذا كان محبًا لما أحب الله، مبغضًا لما أبغض الله وقعت فراسته على الغائب وأنشد بعضهم (١):

تشاغل قومٌ بدنياهم ... وقوم تخلوا لمولاهم

فألزمهم باب مرضاته ... وعن سائر الخلق أغناهم

فما يعرفون سوى حبه ... وطاعته طول محياهم


(١) الأبيات لأبي الوفاء القزويني.