سقاني البين كاسات الحمام ... وهاج بلا بلي صدح الحمامِ
وفاضت عبرتي وازداد وجدي ... وغاضت زفرتي وفشى غرامي
وجدّ الوجد بي فغديت مما ... أكابد في الهوى محنى كلامِ
وزاد الوجدُ والتبريحُ حتَّى ... خفيت عن الورى لولا كلامي
أأزيد صبابة وتزيد بعدا ... تلطَّف بي بذلي وانحطامي
ترفق بي فما أبقيت مني ... سوى بثي وحزني وانعدامي
وغاض السمع وانمحق اصطباري ... وفاض الدمع واشتهر اكتتامي
وقلت وقد طرقني مثل هذا وتيقنت أن ذا الغرام من الغرام هذا:
ما لي تحيرت دون الناس في أمري ... أحس قلبي على مستوقد الجمر
أجوب في الأرض وحدي لا أرى أحدا ... أشكو إليه غراما حل في صدري
فوا أسفي على بلد خُلى ... عن الأغيار مع صوب الغمام
وخلِّ صادقٍ في الودّ حتَّى ... أبث له أحاديث الغرام
وشدة الشوق قد يخرج الإنسان عن طور التكليف، ومن ثم ترى بعض هؤلاء يتكلم بكلام ليس من جنس كلام العقلاء وما ذاك إلا من شدة اللذة والأنس يذهب عن حواسه باستغراقه في لذة شوقه حتَّى إنه يقول:
ولو أن ما بي في الحصى فلق الحصى ... وفي الريح لم يظهر لهن هبوب
ولو أنني أستغفر الله كلما ... ذكرتك لم يكتب على ذنوب
وبي من غرام لو تجسم بعضه ... ومرّ بأهل الأرض لا نخبل الكل
سقوني وقالوا لا تغني فلو سقوا ... جبال حنين ما سقوني لغنتي