وبي من غرام لو تجسم بعضه ... ومرّ بأهل الأرض لا نخبل الكل
ويقول:
سقوني وقالوا لا تغني فلو سقوا ... جبال حنين ما سقوني لغنتي
وسمع الجنيد قدس الله سره في جوف الليل جارية تقول:
أبى الحب أن يخفى وكم قد كتمته ... فأصبح عندي قد أناخ وطنبا
إذا اشتد شوقي هام قلبي بذكره ... وإن رُمتُ قربًا من حبيبي تقربا
ويبدو فأفنى ثم أحيى به له ... ويبعدني حتَّى ألذّو أطربا
فقال لها: يا جارية أما تتقين الله؟ تتكلمين في مثل هذا المكان بمثل هذا الكلام، وكانا في الطواف فالتفتت إليه؟ وقالت: يا جنيد:
لولا التقى لم ترني ... أهجر طيب وثني
إنّ التقى شردني ... كما ترى من وطني
أقر من وجدي به ... فحبه هيَّمنى
ثم قالت: يا جنيد تطوف بالبيت أم برب البيت؟ فقال: أطوف بالبيت فرفعت رأسها وقالت: سبحانك ما أعظم مشيئتك على خلقك، خلقك كالأحجار يطوفون بالأحجار (١)، ثم قالت:
(١) الطواف بالبيت اتباع وليس المقصود منه تعظيم الأحجار. وهما من شعائر الله التي أمرنا بتعظيمها والبيت عند الله عظيم ومكرم ولذا أقسم الله به في كتابه فقال عز من قائل: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}، وقال سبحانه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} وقال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}.