للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يطوفون بالأحجار يبغون قربةً ... إليك وهم أقسى قلوبًا من الصخر

وتاهوا فلم يدروا من التيه من همُ ... وحلوا محل القرب في باطن الفكر

فلمّا أخلصوا في الود غابت صفاتهم ... وقامت صفات الود للحق بالذكر

فغشي على الجنيد من كلامها، فلما أفاق لم يرها.

وذكر الحافظ ابن رجب في "استنشاق نسيم الأنس" (١) عن ذي النون رحمه الله تعالى أنه قال: إنَّ المؤمن إذا آمن بالله واستحكم إيمانه خافَ الله تولدت من الخوف هيبة، فإذا سكن درجةَ الهيبة تولدت طاعته لربِّه، فإذا أطاعَ تولد من الطاعةِ الرجاء، فإذا سكن الخوف والرجاء تولدت من الرجاء المحبة، فإذا استحكمت معاني المحبة في قلبهِ سكن بعدها درجةَ الشوقِ، فإذا اشتاق أداه الشوقُ إلى الأنس بالله، فإذا أنس بالله اطمأن إلى الله، فإذا اطمأن إلى الله كان ليله في نعيم ونهاره في نعيم وسره في نعيم وعلانيته في نعيم.

قال الحافظ: ولا ريب أنّ الشوقَ يقتضي القلق، لكن قد يمنح الله بعض أهله ما يسكن قلقه من الأنس به والطمأنينة إليه كما أشار إليه ذو النون.

وعن إبراهيم بن أدهم قدس الله سره قال: قلتُ يومًا: اللهم إن كنت أعطيت أحدًا من المحبين لك ما سكنت به قلوبهم قبل لقائك فأعطني ذلك، فلقد أضرني القلق، قال: فرأيته تعالى في النوم يوقفني بين يديه وقال لي: يا إبراهيم أما استحييت مني تسألني أن أعطيك ما


(١) سبق التوثيق من هذا الكتاب.