للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسكن به قلبك قبل لقائي؟ وهل يسكن بيت المشتاق إلى غير حبيبه؟ أم هل يستريح المحب إلى غير من اشتاق إليه، قَالَ: فقلت: يا رب تهت في حبك فلم أدرِ ما أقول.

وأخرج أبو نعيم عن عبد العزيز بن محمد قال: رأيت في المنام قائلاً يقول: من يحضر؟ من يحضر؟ فأتيته، فقال لي: أما ترى القائم الذي يخطب الناس ويُخبرهم عن أعلى مراتب الأنبياء، فأدرك فلعلك تلحقه وتسمع كلامه قبل انصرافه فأتيته فإذا الناس حوله وهو يقول:

ما نال عبدٌ من الرحمن منزلةً ... أعلى من الشوق إن الشوق محمود

ثم سلَّم ونزل فقلتُ لرجلِ إلى جانبي: من هذا؟ قال: أما تعرفه قلت: لا قال: هذا داود الطائي فتعجبتُ في منامي منه فقال: أتعجبُ مما رأيتَ، والله الذي عند الله لداود من الزلفى أكبرُ من هذا وأكثر.

لا جرم أن الشوق للمحبوب مطلوب وأن التقرب بأنواع محابِّه مرغوبٌ فيا لله! كم من عاشق انصدع فؤاده وأفناه الشوق وأباده مراده، وتخلى بأوصاف السقم وصار دمعه كالعنم (١) وهام وجالت فيه الأوهام:

فهجر (٢) الرقاد وطيب الزواد ... وألِفَ السُّهادَ وأمسى علم

إذا نام ناداه فرط الغرام ... أفق إنَّ محبوبنا لم ينم

فقام يردِّدُ زفراتِه ... ويفرع لله مولى النعم

أجَدَّ به الوجدُ حتى غدا ... إذا ما غدا في الغرام انعدم

جفى جفنَه يا خليلي الكرى ... وقام يناجي وصف القدم


(١) العنم: شجر لين الأغصان.
(٢) في الأصل، أعلى كلمة "فهجر" كلمة "خلى" ولعل الناسخ يقصد رواية أخرى للبيت.