للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكي عن ذي النون قال: رأيت أعرابيًا يطوف وقد نحل جسمه واصفر لونه ودق عظمه، فقلت له: أمحب أنت، قال: نعم، قلت: أحبيبك منك قريب أم بعيد؟ فقال: قريب، قلت: موافق أم غير موافق، قال: موافق، قلت: سبحان الله: حبيبك منك قريب ولك موافق وأنت على هذه الحالة، فقال: يا بطال أما علمت أن عذاب القرب والموافقة أشد من عذاب البعد والمخالفة، وجعل يقول:

سقى الله أيامًا سعدنا بقربكم ... فتلك طراز العمر واسطة العقد

إذا الجد سعد والزمان مساعد ... وأيماننا كانت موكدة العقد

وفي "استنشاق نسيم الأنس" (١) عن أبي معمر قال: نظرت رابعة إلى رياح القيسي يومًا وهو يقبل صبيًا صغيرًا من أهله فقالت: أتحبه يا رباح؟ قال: نعم، قالت: ما كنت أحسب أن في قلبك موضعًا فارغًا لمحبة سواه، فخر مغشيًا عليه ثم أفاق وهو يمسح العرق عن وجهه وهو يقول: جعلها الله في قلوب عباده للأطفال، وكان بعض أهل المحبة يحصل له من طرقها نوع تغير وتكلم بعضهم يومًا في المحبة فاصطفقت قناديل المسجد حتى تكسرت وتكلم يومًا فيها أيضًا فجاء طائر فضرب بمنقاره الأرض حتَّى مات.

ذكر ذلك الحافظ ابن رجب في استنشاق نسيم الأنس.

وذكر ابن الجوزي في "التبصرة" (٢) وما بين القوسين في التبصرة (فإنه) عن بعض السلف قال: صحبت في طريقي رجلاً


(١) ص ١٣٤.
(٢) ٢/ ٦٥٥.